وأنا لم أعرف مِن بيرون هذا إلا أنه شاعر غزل إنكليزي، قرأت من شعره مترجَماً إلى الفرنسية والعربية ما يطرب ويعجب، ولم أكن أدري قبل أن أقرأ هذا الكتاب أن هذا البيرون قد جاء من جَدٍّ معتوه فاجر، وأب مجرم ساقط، وأم مجنونة حمقاء، وأن حياته ... لا، لن أصف لكم ما في هذا الكتاب النجس فأكون راويةً للشر وحاملاً للرجس، ولكن ألخّص ما فيه بكلمة واحدة، هي أن هذه الحياة كانت سلسلة من الجرائم، بدأت بعشقه وهو في سن السابعة ومحبته الصبيانَ الحِسان الأماليد، وانتهت بأن أحب أخته! أخته، ألا تصدقون؟ حباً أثمر حَبَلاً!
هذه الرذائل كلها، ومؤلف الكتاب يمجّد الرجل ويبجّله ويلبسه أثواب العظمة والجلال، ولا ينكر عليه بكلمة واحدة؟ لماذا؟ لأنه استطاع أن يصنع كلاماً جميلاً، لأنه نظم شعراً بليغاً، لأنه كان أديباً ... والأديب مَغفورٌ له كل ذنب، محتمَلٌ منه كل أذى.
وأنا أديب، ولكن إنْ كان هذا هو الأدب فاشهدوا عليّ أني طلَّقتُ الأدبَ طلاقاً لا رجعة فيه، وسامحكم الله بالثلاثين سنة التي أنفقتها من عمري في الكتابة فيه، وبالعشرة الآلاف من الصفحات التي كتبتها في هذه السنين الثلاثين.
إن كان هذا هو الأدب فلعنة الله على الأدب! لعنة الله على الشعر الجميل والوصف العبقري إذا كان لا يجيء إلا بذهاب الدين والفضيلة والعفاف. لعنة الله على بيرون وبودلير، وعلى بشار وأبي نواس، وعلى من يفسد عليّ ديني ويذهب بعرضي ويحقر مقدساتي ليقول كلاماً حلواً. وهل تعوّض عليّ لذتي بحلاوة