ومنها: أنه حوَّل الدينَ من جواهر إلى مظاهر ومن حقائق إلى أشكال، فصار القرآن كلاماً يُتغنَّى به ولا يُعنَى إلا بمخارج ألفاظه وطول مُدوده (?)، وصار الدعاء كلاماً فصيحاً مُسَجَّعاً محفوظاً معاداً، وصارت الصلاة قياماً وقعوداً وركوعاً وسجوداً، وصار الحج سفراً وعودة ... أعمالُ جوارح والقلبُ غائب، وألفاظ لسان والفكر ساهٍ لاهٍ، وعباداتٌ غدت كالأجساد بلا أرواح، ودينٌ اقتصر على المساجد دون البيوت والأسواق.
فلنتنبه -يا أيها الناس- إلى وساوس الشيطان، ولنستعذ بالله منه، ولنَذْكر دائماً أن الله معنا يسمعنا ويرانا، ولنعرف حكم الشرع في كل ما نأتي وما ندع، ولنعلم جميعاً أن العمر ماضٍ، والدنيا إلى الفناء، وأنه ما خلد في الدنيا أحدٌ حتى نخلد فيها، ولا فَرَّ من مُلْك الله أحد حتى نفرَّ من ملك الله. وأن في الوجود رباً، وأن بعد الحياة موتاً، وأن بعد الموت نشوراً وحساباً عسيراً، ثم تكون العاقبة جنة أو ناراً، فما أهون الألم في الدنيا يُعقب لذة باقية، وما أمَرَّ اللذةَ العارضة يكون من ورائها الألم الدائم.
نسأل الله السلامة، وألاّ يجعلنا من الذين يأمرون الناس بالبِرّ وينسون أنفسهم، وأن يهدينا ويهدي بنا، ونعوذ بالله من الشيطان الرجيم (?).
* * *