وهذه المقالة في القرآن من أكبر مداخل الشيطان؛ ذلك أنه رأى القرآن محفوظاً بحفظ الله، لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من ورائه ولا يُبدَّل حرفٌ واحد منه، وعلم أنه لا يستطيع أن يجيئه من جهة تنزيله فجاءه من جهة تأويله، فألقى إلى نفر من الناس أن للقرآن ظاهراً وباطناً، فظاهِرُه هذه الألفاظ وما تدل عليه من المعاني في لسان العرب وما تنصرف إليه من المجازات بعُرْف أهله، وباطنه ما يتوهّم هؤلاء أنه هو المقصود، ولو لم تدلّ عليه لغة ولم يقرّه عرف، واحتجوا لذلك بأثر حوَّلوه عن المراد منه، فصار الدين الواحد دينين: شريعة وحقيقة! وليت شعري: ما الشريعة إن لم تكن هي الحقيقة، وما الحقيقة في الدين إن لم تأتِ بها الشريعة؟
* * *
ومن أوسع مداخله (على الشباب خاصة): الحرية والانطلاق وحلّ كل قيد، مع أن الدين والفضيلة والعقل كلها قيود (?)، ولا تكون الحرية الكاملة إلا للمجانين والدواب، فالدابة تمشي عارية الجسم بادية السَّوأة، تفعل ما تريد وتأتي ما تشتهي، ولكن لها وقتاً للشهوة، شهراً في السنة، والإنسان لو انطلق مع هواه وغريزته، وهُتكت الأستار دون شهوته ونُضِيت الثياب، لكان عمره كله كذلك الشهر، ولما بقي عرض مَصون ولا مال مَضمون ولا حياة اجتماعية، ولأكل القويُّ مالَ الضعيف وعدا على عرضه وماله وأهله، ثم يجيء من هو أقوى منه فيعتدي هو أيضاً عليه كما اعتدى هو على غيره.