صور وخواطر (صفحة 230)

بقي يغضب ويبطش كالسبع ويشتهي ويفسد كالشيطان، فإنه لم يعرف حقيقة الصيام.

* * *

لقد كان رمضان الذي يجيء دمشق من أربعين سنة رمضاناً حقيقياً، وما أدري أمات وجاء غيره، أم قد شاخ وعجز عن أن يطوف دمشق كلها، أو أن يَثِبَ فيدخل في نفوس أهلها، فصار يُثبت وجوده في المفكرة والتقويم وفي أضواء المآذن ومدافع القلعة فقط، فقط لا غير؟ أم أنا الذي تغير وتبدل؟ كنت أنظر قبل أربعين سنة بعين صبيّ لم يقارف إثماً فكنت أرى رمضان، فلما أثقلت الآثامُ أجفاني لم أعد أراه؟

وكان أهل دمشق في مثل طهارة الأطفال، لم تشوّه أصباغُ الحضارة طبيعةَ الحسن في نفوسهم، ولم تُفسد الشُّبَهُ والعصبيات جمالَ الأخوّة بين أفرادهم، ولم تكن قد هُتكت أستار الصيانة ولا مُزِّقت براقع الحياء، كانت المرأة لزوجها وولدها وربها، والرجل لزوجته وولده وربّه، فكانوا يرون رمضان كلهم؛ يرون هلاله في الأفق، ونوره في القلوب، وأثره في البيوت والأسواق والمدارس والمساجد، ويشعرون حقاً أن قافلة العمر كانت تمشي بهم في صحراء مجدبة، فإذا كان رمضان مشت في الواحة التي تعبق بِرَيّا الأزاهير، وترقص على أنغام الشحارير، فيكون من ذلك أنس للنفس وراحة للروح.

فأين ذلك الرمضان؟ أين هو؟ دلوني عليه؛ دلوني عليه أجِدْ فيه ماضيَّ الذي فقدته وأُنسي الذي أضعته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015