صور وخواطر (صفحة 227)

التي كان يسودها الخصام تتحول في رمضان إلى دور أمن وسلام، والمدينة تصير كلها أسرة واحدة، أو «مدرسة داخلية»؛ يأكل الناس فيها في وقت واحد، وينامون في وقت واحد، ويقومون في وقت واحد. إذا دنت ساعة الغروب رأيتَ الناس جميعاً مسرعين إلى بيوتهم، هذا يحمل صحن الفول المدمَّس (?)، وهذا يحمل الجَرادق (?) والبَرازق. وتكون المائدة منصوبة، حتى إن أفقر الناس يجد في رمضان فطوراً شهياً، لأن كل صائم في رمضان يتفقد جيرانه ومَن حوله، فلا يأكل هو الطعامَ الطيب والألوانَ الكثيرة وجارُه لا يجد إلا الخبز والجبن. وتصطفّ الأسرة كلها حول المائدة يجمعها شعور واحد، شعور واحد يجمع الغني والفقير والأمير والأجير، هو الجوع، فأغنى الناس يشتهي قبل المغرب ملعقة من حساء أو رشفة من شراب. والأولاد يقفون على الشرفات أو على جوانب الطرق، فإذا رأوا مصباح المنارة أو سمعوا المدفع صاحوا بنغمة موزونة ولحن موقَّع: «أذّن، أذّن ...» وطاروا إلى بيوتهم كما تطير العصافير إلى أعشاشها إذا رأت طلائع الليل. وتخلو الطرق وتهدأ الأصوات، ثم ترتفع من كل مكان، من الكوخ ومن القصر على السواء، كلمة «الحمد لله»، كلهم شبع وكلهم رضي وكلهم شكر، الذي أكل السبعة الألوان والذي أكل الخبز والمسبَّحة والفول.

ثم يمضي الرجال إلى المساجد ليصلّوا التراويح، أو يصلّوها مع أهليهم وأولادهم. وتكون الأسواق مضاءة، والأولاد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015