وأنا لا أريد أن أعقّد هذا الفصل الذي أكتبه ليكون مفهوماً واضحاً بمصطلحات علم النفس، لذلك أعمد إلى مثال أمثّلهُ لك: أترى إلى إبريق الشاي الذي يغلي على النار؟ إنك إن سددته فأحكمت سدَّه وأوقدت عليه فَجَّرَهُ البخارُ المحبوس، وإن خرقته سال ماؤه فاحترق الإبريق، وإن وصلت به ذراعاً كبيراً كذراع القاطرة أدار لك المصنع وسيّر القطار وعمل الأعاجيب.
فالأولى حالة مَن يحبس نفسه عن شهوته يفكر فيها ويعكف عليها، والثانية حال من يتبع سبل الضلال ويؤم مواطن اللذّة المحرّمة، والثالثة حال المتسامي.
فالتسامي هو أن تنفّس عن نفسك بجهد روحي أو عقلي أو قلبي أو جسدي يستنفد هذه القدرة المُدَّخرة ويُخرج هذه الطاقة المحبوسة: بالالتجاء إلى الله والاستغراق في العبادة، أو بالانقطاع إلى العمل والانغماس في البحث، أو بالتفرغ للفن والتعبير عن هذه الصور التي تصورها لك غريزتك بالألفاظ شعراً، أو بالألوان لوحة، أو بالألحان نغماً، أو بالجهد الجسدي والإقبال على الرياضة والعناية بالتربية البدنية أو بالبطولة الرياضية. والإنسان -يا ابني- محب لنفسه لا يقدم أحداً عليها، فإذا وقف أمام المرآة ورأى استدارة كتفيه ومتانة صدره وقوة يديه، كان هذا الجسم الرياضي المتناسق القوي أحبَّ إليه من كلّ جسد أنثى، ولم يرضَ أن يضحّي به ويُذهب قوته ويعصر عضلاته ويعود به جلداً على عظم من أجل سواد عينَي فتاة، ولا من أجل زرقتهما!
* * *