كلها، تقفز على رؤوس الجبال، وتبعثر البَرَد يميناً وشمالاً، وتنثر السحائب ثم تجمعها ثم تعبث بها.
جُنَّت الطبيعة جنونها، ولكني لم أخَفْها ولم تكبر في عيني، وإنما ازدريتها وأبغضتها! ما هذه المخلوقات الضعيفة العاجزة التي لا يدري بها أحدٌ من سكان هذا الكون الواسع؟ لقد رأيتها من قمة لبنان نقطة، فكيف يراها كوكب المشتري؟ وهل يعبأ نجم القطب بثورتها وجنونها؟
وانصرفت إلى نفسي أفكر آسفاً.
إن العام يتصرّم وليس حولي صديق أطمئن إليه وأحمل معه أعباء الوداع، وأشاركه دمعة يذرفها معي على الفقيد الراحل وبسمة يمنحها هذا المولود الجديد. عرفت أن الصداقة ليس لها وجود عند الناس فنفضت يدي منهم، ولجأت إلى الطبيعة أتخذها صديقي المخلص وأوليها حبي وقلبي، فكانت هذه هي النتيجة. صادقت مجنونة طَيَّاشة بَطّاشة لا تعرف إلا التخريب والتدمير وتجهل ما هو الحق وما هو الشعور!
أهذا كل ما لي عندك يا صديقتي؟ ألجأ إليك في ساعة من أحرج ساعات حياتي، قد تركت فيها أهلي وعِفْتُ صحبي، لألقي بنفسي بين أحضانك وأنشق عطرك، وأغتسل بعبير محبتك وأدفن آلامي في صدرك، فلا تلقينني إلا بهذا الجنون وهذا العويل؟
كلا، إنك لا تعرفين الحق ولا الشعور!
* * *