إنسانيته ويجحد نفسه، ويراها مسماراً في آلة الكون وحجراً في جبل يدور مع الأرض أنّى دارت. وكان هذا متشائماً لا يرى إلا الذي وقع عن الكرسي فمات، فاعتقد أن الدنيا دار المصائب، وكان ذلك مغروراً لم يبصر إلا التي وقعت من الطبقة السادسة ولم تمت، فحسب أنه يسلم من كل أذى.
ونحن مع القدر بَشر، لا آلهة ولا حجر، والدنيا ليست مسرّة كلها ولا مصائب، ولكنها مسرّة وكدر. وأنا كلما فكرت وذكرت ما رأيت من الحوادث بعيني ازددت يقيناً بأن أكثر الناس لا يعرفون سرّ الإيمان بالقدر.
رأيت الترامَ مرة وقد انكسر مقوده فانحطّ من المنحدر الهائل عند الجسر (?) في دمشق، وكانت امرأة واقفة بين خطَّيه بعد المنعطف، فلما رأته مقبلاً كالموت النازل سُمِّرت رجلاها -من فزعها- بالأرض، وجمدت ولم يجرؤ أحد أن يدنو لإنقاذها فيموت معها، والوقت أضيق من أن يتسع لشيء، فأغمضوا عيونهم حتى لا يروا. فلما وصلت الحافلة إلى المنحنى تركت الخط وسارت قُدماً، فصدمت جداراً من اللبن الضعيف، ومرت منه إلى قوم في دارهم فقتلتهم!
ورأيت مرة بعيني شباباً يمشون تحت فندق عدن بالاس في دمشق، فرفع أحدهم رأسه فجأة فرأى شيئاً يهوي قد صار حيال