ومضى يحلف ويؤكد الأيمان أن الذي يرويه هو الصدق والحق، وأن صبياً لصديق آخر (لا أسمّيه لئلا أسوءَه واذكِّره بمصابه) وقف على مكتب أبيه يلعب، فرأى صورة معلقة بالجدار، فوثب يريد أن يصل إليها فوقع على أرض الغرفة، وكانت من البلاط، وكانت السقطة على يافوخه، فمات لساعته.
وقال معلّقاً ومتفلسفاً: ففيمَ إذن نفكر وندبر ما دام لا ينفعنا فكر ولا يفيدنا تدبير؟ ولِمَ لا ندع الأمور للقدر ونتركها تجري على أعنّتها كما يريد لها مُجريها، ما دمنا لا نملك أنفسنا ولا نعرف مصائرنا، وما دام هذا الكون كالمعمل الضخم المشتبك الآلات المتعدد الحركات، وما نحن إلا مسمار صغير فيه نسير كما يسيّرنا مهندسه الأعظم؟
وأسرع واحد منا فقال مصدِّقاً: نعم، ولكنّا خُلقنا للشقاء، وأُقمنا هدفاً للمصائب، ووُضعنا في دنيا ما فيها إلا الآلام. مَن سلم منها اليوم وقع غداً، ومَن لم يَمُتْ ولده من سقطته مات من علّته أو مات وهو صحيح معافَى، ما من الموت بُدٌّ، ولا بُدّ قبل الموت من البلايا والمتاعب.
وتكلم ثالث يرى نفسه من كبار العقلاء، فأنكر القدر وجحد المقدِّر، وزعم أن الحياة ليست إلا عجينة في يدك أنت تديرها وتصوّرها، فإن صنعت منها تمثال غادة جميلة كان لك جمالها، وإن عملت منها هولة قبيحة كان عليك قبحها. إن مرضت فمن إقلالك الغذاء وإهمالك التوقّي، وإن دُعست (?) فمن تركك