أم أنتما رجلان؟ أعدوّان أنتما أم صديقان؟ أكان بينكما مسافة على الأرض ومسافة في الزمان، أم أنتما رفيقان متلازمان؟ هل التقيتما في معمل، أو عملتما في منجم، أو اصطحبتما إلى الحرب، أو تجاورتما في السوق، أو اشتغلتما في ديوان؟
أم كنتما مضطجعَين في قصريكما المتقابلين، قد مللتما من التسلية فأنتما تدفعان العمر دفعاً، لا تتنازلان أن تنظرا من النافذة إلى هؤلاء البؤساء الذين يشتغلون دائماً وأبداً كأنهم آلات تدور، تحت الشمس في الصيف وتحت المطر في الشتاء، وفي الحرّ وفي الزمهرير، وفي الصحة وفي المرض، ليأخذوا بعد ذلك الواحدَ وتأخذوا أنتم التسعةَ والتسعين مكافأة لكم على غصبكم حريّتَهم وعسفكم إياهم وزرايتكم عليهم، فتنفقوها على الموائد الخُضر وفي كؤوس الخمر وعلى الشُّقر والسُّمر ... ثم إذا خرجتم تمسّحوا بأذيالكم وقبّلوا السياط التي تلهبون بها ظهورهم؟
* * *
من أنتما أيها الإنسانان وما شأنكما؟ هل كان بينكما حاجز عرضه ثلاثمئة سنة فلم تلتقيا في الحياة، وجمع بينكما الموت الذي تُختصَر فيه المسافات وتلتقي فيه الأزمنة والأوقات؟ أأنتما هنا لتقولا: إن المُلك والغنى، والمجد والجاه، والفتنة والجمال، كل أولئك أثواب تُلبَس وتُخلَع، ولا يبقى للإنسان من دنياه إلا ما قَدّمَ من عمل، ينال به النعيم الخالد أو يَصلَى به النار الباقية؟
ألا ليت الناس يذكرون أبداً هذا المصير!
* * *