مَدَّ يده التي حمل بها مطرقة العدل فأخذ ثمن وجدانه الذي باعه، أخذ الرشوة! تعال انتقم؛ إن القاضي والمجرم قد التقيا وزالت من بينهما الفروق!
* * *
أم أنت -أيها الإنسان- جندي صاحوا به: الإنسانية في خطر، الحضارة مهددة بالزوال؛ لقد أوشك أن يموت الحق وتذهب الفضيلة! فاشتعلت الحميّة في رأسك، والتهب الدم في عروقك، وقدحت عيناك بالشرر، فتركت أمك المسكينة ليس لها بعدك إلا الله، وأسلمتَها إلى الحزن الطويل والثكل القاتل، وأولادك الذين تعلقوا بك يصيحون: "بابا، بابا" أسلمتهم إلى اليتم والفقر والبؤس، وذهبت تلبي نداء الإنسانية وتخلّص الحضارة، فنمت على الجثث وتجلببت باللهب وتوسدت القنابل، حتى إذا أدركك أجلك سقطت صريعاً، وأقبل رفاقك يدوسون على جثتك لا يجدون وقتاً لإزاحتها ودفنها، لأنهم يخافون إذا أبطؤوا ألاّ يدركهم الموت في سبيل الإنسانية! فلما ماتوا جميعاً ربحت الإنسانية وساماً زيّن صدر القائد وصفحة في تاريخ العدوان، وثبت كرسيُّ طاغيةٍ من الطغاة أو استقرت مكانةُ حزب من الأحزاب ... أما الأطفال الأيتام والعجائز الثاكلات فحسبهم عوضاً من آبائهم وحسبهنّ بدلاً من أبنائهن التمتع برؤية موكب القائد الظافر!
أم أنت -أيها الإنسان- القائد نفسه، قد جُرِّد صدرُه من الأوسمة والشارات، وجسمُه من الحلة المزدانة بالقصب، ووجهُه من الأنف والعينين، وعاد قفصاً من العظام لا يمتاز