ونظرت فإذا عليه هيئة الناصح، وإذا هو يدفع إليّ إزاراً آخر، فاستبدلته به مكرهاً. وتبعت صاحبي إلى مقصورة من هذه المقاصير، فجلسنا إلى قدر من هذه القدور وأنا أستجير بالله لا أدري ماذا يجري عليّ، فبينما أنا كذلك وإذا برجل عارٍ كأنه قفص عظام، له لحية كثة وشكل مخيف، وقد تأبط ليفاً غليظاً، يا شرَّ ما تأبط! وحمل ماعوناً كبيراً يفور فَوَراناً، فاسترجعت وعلمت أنه السمّ وأنه سيتناثر منه لحمي، فقصد إليّ، فجعلت أفرّ منه وأتوثب من جانب إلى جانب، وهو يلحقني ويعجب من فعلي ويظن أني أداعبه، وصاحبي يضحك ويقسم لي إنه الصابون وإنه لا ينظف شيء مثله.
قلت: ألا شيء من سدر؟ ألا قليل من أُشنان؟
قال: والله ما أغشك، فجرب هذا، إنه خير منه.
فاستجبت واستكنت. وأقبل الرجل يدلكني دلكاً شديداً وأنا أنظر: هل تساقط لحمي؟ هل تناثر جلدي؟ فلا أجد إلا خيراً، فأزمعت شكره لولا أني وجدته يتغفّلني فيمد يده من تحت الإزار إلى فخذي فيدلكه ويقرصه، فقلت: هذا ماجن خبيث، ولو ترك من شرّه أحداً لتركني ولصرَفَته عني شيبتي. وهممت بهشم أنفه وهتم أسنانه، ولحظ ذلك صاحبي فهمس في أُذني: إنه ينظفك، وكذلك يصنع مع الناس كلهم.
فلما انتهى وصب عليّ الماء شعرت والله كأنما نشطت من عقال، وأحسست الزهو والخفة، فصحت فأنكرت صوتي وقلت: ما هذا؟ أينطق على لساني مُغَنٍّ من الجنّ؟ وأعدت