المنهَّى عنها ونحن في المدْعُو إليها من حَرْب أهل الحرب؟ معاشر الخُدّام والجيش وأرباب العقول والآراء أليس فيكم رجل رشيد:

تعقَّب الرأي وانظر في أواخره ... فطالما اتهمت قدما أوائله

لازال مولانا يمضي الآراء الصائبة، ويلحظها بادية وعاقبة، ولا خلت منه دار إن خلت، ولا عَدِمته أيام إنْ لم تطلع فيها شمس وجهه دخلت في عداد الليالي فلم تذكر (?)، فكيف يستطيع الأمير الكبير بعده هذه الحجج ألا يستجيب للأمر السلطاني فيتوجّه بجميع أهله وعساكره إلى دمشق فتلقاه السلطان في مرج الصُفّر في 23 شعبان 582هـ، 10تشرين الثاني 1186م ودخلا معاً إلى دمشق وأقطعه السلطان حماة وبلادها وأمره بحماية ثغورها فتوجه إليها حتى تأتيه أوامر السلطان وبهذه التراتيب المحكمة تمكّن صلاح الدين والقاضي الفاضل من ترتيب أمور الدولة من أقصى شرقها إلى أقصى غربها، وتفَّرغ للاستعداد والتجهيز لحملته الكبرى التي كان ينتظر قدوم وقتها وفي ذات الوقت كانت الأوضاع السياسية في مملكة الصليبيين تزداد سوءاً والخلاف بين حزب البارونات النبلاء وحزب الملك ومؤيديه يبلغ أوجه ممّا دفع الكونت ريموند الثالث، الذي أبُعد عن وصاية العرش بتتويج غي دي لوزيجنيان زوج الملكة الوارثة للعرش، إلى مهادنة صلاح الدين عن بلاده (طرابلس) وبلاد زوجته (طبّرية) بحيث قبل عنه في المصادر العربية: ...

فالتجأ إلى ظل السلطان، فصار له من جملة الأتباع فقبله السلطان وقَّواه وشدّ عضده بإطلاق من كان في الأسر من أصحابه، فقويت مُنَاصحته للمسلمين، وكان السبب الذي دفع ريموند إلى ذلك الاتفاق هو أن مقّدم الداوية نصح الملك غي بجميع القوات ومحاصرة ريموند وإجباره على الاستسلام، فنفذ الملك عملية جمع القوات، لكن باليان بن بارزان - صاحب نابلس - أقنعه بخطأ هذه الحركة - ففرق القوات وعاد إلى القدس وأقام صلاح الدين في دمشق ينتظر الفُرصة المناسبة لجمع العساكر والتوجّه إلى ميدان القتال، فكان الاستيلاء على القافلة القادمة من مصر إلى الشام وفشل المفاوضات بين السلطان وأرناط والملك في حَلَّ المشكلة وبدأ الجانبان الاستعداد والتجهز وكتب السلطان إلى العساكر في الموصل والجزيرة الفراتية وحلب وحماة ومصر طالباً منها القدوم: الشرقية والحلبية إلى الاجتماع برأس الماء، المخيم المعتاد لدى صلاح الدين ومركز الاجتماع للانطلاق والمصرية بقيادة أخيه العادل إلى بلاد الكرك والشوبك، أما السلطان فخرج إلى جسر الخشب وقام هناك حتى يتكامل تجمع قّوات دمشق لديه (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015