بلبيس كل على حدة، ثم من بلبيس إلى الشام، ومن بلبيس أيضاً إلى الصالحية وإلى قطيا (?)، ومن قطايا إلى الواردة في الطريق إلى غزة، ثم غزة، أي أن بلبيس الواقعة شرقي القاهرة كانت مركز المهابط في مصر، ومثلها غزة في جنوبي فلسطين على الساحل حيث يبدأ منها خط إلى الخليل، وإلى اللد، ومنها إلى قاقون (?)، ثم جنين فصفد فبيسان فإربد فطفس، ومنها الضمين (?)، فدمشق، ومن كل واحد من هذه المراكز إلى ما جاورها من المدن، فمن بيسان إلى أذرعات (?)، ومن دمشق يسرح الحمام إلى بعلبك وكذلك إلى قارة (?)، ومن قارة أيضاً إلى حمص ومنها إلى حماة فالمعرة فحلب فالبيرة، وهكذا بقية مدن الجزيرة الشامية (?).
إن هذه المحطات الكثيرة كانت تضم ولا شك عدداً كبيراً من الحمام، وقد قدر في وقت لاحق، عدد الحمام الذي كان موجوداً في برج قلعة القاهرة وحده بحوالي ألفي طائر (?). وصارت مهنة تربية الحمام مهنة مربحة، نظراً للإقبال الشديد عليه لاسيما أثناء حصار الصليبيين لعكا. يقول العماد الكاتب: صرنا نحبو صاحب الطيور بالأطراء، ونخصه بالمدح والثناء، ونأمره بالاستكثار، ونطلبها منه مع الليل والنهار، حتى قل وجودها عنده لكثرة الإرسال (?) وقد استفاد الجيش الأيوبي من الجهاز البريد النوري واستعمله صلاح الدين ونوابه في حالات الشدة، فالحمام الزاجل أرسلت البشائر من فلسطين إلى مصر بنجاة السلطان في موقعه الرملة التي هزم فيها الجيش الأيوبي. ويقول العماد: وسيَّرنا بها البشائر، وأنهضنا ببطاقاتها الطائر لإخراس ألسنة الأراجيف، وإبدال التأمين من التخويف (?)، وكان الجيش الأيوبي يصحب معه حمام الجهة أو الجهات التي ينوي الاتصال بها، أو حين كان يبغي طلب المعونة منها، كما حدث في سنة 574هـ/1178م حين اجتمع الصليبيون، وساروا نحو دمشق مع ملكهم فأغاروا على أعمالها ونهبوها وأسروا وقتلوا وسبوا، فأرسل صلاح الدين ابن أخيه عز الدين فرخشاه في جمع من العساكر إليهم وأمر أنه إذا قاربهم يرسل إليه بخبره على جناح طائر يسير إليه،