إن النهوض بوجه عام يحتاج إلى سلاح القلم، واللسان ولم ينجح مشروع نهضوي عبر التاريخ من غير أقلام قوية أو ألسنة تعبر عن قلوب صادقة تدعوا إليه وتنشر مبادئه بين الناس وإيجاد الكتب النافعة في هذا المجال من الضرورات في عالم الصراع والحوار والجدال وهذا يدخل ضمن سنة التدافع في الأفكار والعقائد والثقافات والمناهج، وهي تسبق التدافع السياسي والعسكري، فأي برنامج سياسي توسعي طموح يحتاج لعقائد وأفكار وثقافة تدفعه، فالحرف هو الذي يلد السيف واللسان هو الذي يلد السنان، والكتب هي التي تلد الكتائب.
إن موسوعة الحروب الصليبية والتي صدر منها كتاب السلاجقة وعصر الدولة الزنكية وهذا الكتاب قد أجابت عن الكثير من الأسئلة المطروحة على الساحة القطرية، والإقليمية والعالمية وهذه الحقبة من تاريخ الأمة تأتي شاهداً تاريخياً مقنعاً على إن الإسلام قادر في أية لحظة تتوافر فيها النية المخلصة والإيمان الصادق والالتزام المسؤول، والذكاء الواعي واستيعاب فقه السنن والنهوض وقوانين الحضارات وبناء الدول على إعادة دوره الحضاري والقيادي وإخراج الناس من ضيق الدنيا إلى عدل الإسلام.
هذا وقد انتهيت من هذه المقدمة في 15 شعبان 1428هـ - 28 أغسطس/2007م الساعة الرابعة بعد صلاة العصر. والفضل لله من قبل ومن بعد وأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل ويشرح صدور العباد للانتفاع به ويبارك فيه بمنه وكرمه وجوده قال تعالى: "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم" (فاطر، آية:2). ولا يسعني في نهاية هذا الكتاب إلا أن أقف بقلب خاشع منيب أمام خالقي العظيم وإلهي الكريم معترفاً بفضله وكرمه وجوده متبرئاً من حولي وقوتي ملتجئاً إليه في كل حركاتي وسكناتي وحياتي ومماتي، فلله خالقي هو المتفضل، وربي الكريم، هو المعين، وإلهي العظيم هو الموفق، فلو تخلّى عني ووكلني إلى عقلي ونفسي وتركني للقلم الذي بين أصابعي لتبلد مني العقل، ولغابت الذاكرة وليبست الأصابع ولجفت العواطف ولتحجرت المشاعر، ولعجز القلم عن البيان إلهي: إنك لتعلم أن لي مع كل واحد ممن تحدثت عنهم في كتبي وقفة لها قصة أو خبر وإنك لتعلم حرصي على إحياء سيرهم كوسيلة لنصرة دينك وأن أنال بذلك كريم مرضاتك يا أكرم الأكرمين، اللهم بصّرني بما يرضيك وأشرح له صدري وجنبني اللهم مالا يرضيك واصرفه عن قلب وتفكيري وأسلك بأسماءك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعل عملي لوجهك خالصاً ولعباده نافعاً وأن تثيبني على كل حرف كتبته وتجعله في ميزان حسناتي وأن تثيب إخواني الذين أعانوني على اتمام هذا الجهد الذي لولاك ما كان له وجود ولا انتشار بين الناس ونرجو من كل مسلم يطلع على هذا الكتاب ألا ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه من دعائه قال تعالى: "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي