فتركتها ومضيت إلى منزلي، لأقيل فيه (أي لأقضي فترة القيلولة) فلم يطب لي مقيل، فلما صليت، أخذت بعض إخواني من أشراف العرب، فوافيت معهم صلاة العصر، فإذا عمها جالس. فقال: أبا أميه ما حاجتك؟ فذكرت له حاجتي، وزوجني، وبارك القوم لي، ثم نهضنا، فما بلغت منزلي، حتى ندمت!! فقلت: تزوجت إلى أغلظ العرب، وأجفاها، وتذكرت نساء تميم، وغلظ قلوبهن، فهممت بطلاقها، ثم قلت أجمعها (أي أدخل بها، وأتزوجها) فإن لا قيت ما أحب وإلا طلقتها، وأقمت أياماً، ثم أقبل نساؤها يهادينها، فلما أُجلست في البيت، قلت: يا هذه! إن من السنة، إذا دخلت المرأة على الرجل، أن يصلي ركعتين، وتصلي هي كذلك، وقمت أصلي، ثم التفت ورائي، فإذا هي خلفي تصلي، فلما انتهيت، أتتني جواريها فأخذن ثيابي، وألبسنني ملحفة صبغت بالزعفران، فلما خلا البيت، دنوت منها، فمددت يدي إلى ناحيتها، فقالت: على رسلك (أي مهلاً)، فقلت في نفسي: إحدى الدواهي منيت بها (أي مصيبة ابتليت بها) فحمدت الله وصلت على النبي، وقالت: إني امرأة عربية، ولا والله ما سرت سيرا قط، إلا لما يرضي الله، وأنت رجل غريب، لا أعرف أخلاقك (أي لا أعرف طباعك)، فحدثني بما تحب فآتيه، وما تكرهه فأجتنبه، فقلت لها: أحب كذا وكذا (عدّد ما يحب من القول والأفعال والطعام ونحو ذلك) وأكره كذا (كل ما يكره)، قالت: أخبرني عن أصهارك (أهل قرابتك) أتحب أن يزوروك؟، فقلت: إني رجل قاضي، وما أحب أن يملوني.
فقمت بأنعم ليلة، وأقمت عندها ثلاثا، ثم خرجت إلى مجلس القضاء، فكنت لا أرى يوما إلا هو أفضل من الذي قبله. حتى كان رأس الحول (أي بعد مرور عام)