قال ابن عبّاس وغيره دخل حديث بعضهم في بعض: إنّ الله تعالى لما قبض يوسف وهلك الملك الذي كان معه وتوارثت الفراعنة ملك مصر ونشر الله بني إسرائيل لم يزل بنو إسرائيل تحت يد الفراعنة وهم على بقايا من دينهم مما كان يوسف ويعقوب وإسحاق وإبراهيم شرعوا فيهم من الإسلام حتى كان فرعون موسى وكان أعتاهم علي الله وأعظمهم قولًا وأطولهم عمرًا واسمه فيما ذكر الوليد بن مصعب وكان سيء الملكة على بني إسرائيل يعذبهم ويجعلهم خولًا ويسومهم سوء العذاب.
فلما أراد الله أن يستنفذهم بلغ موسى الأشدّ وأعطي الرسالة وكان شأن فرعون قبل ولادة موسى أنه رأى في منامه كأن نارًا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت علي بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل، وأخربت بيوت مصر فدعا السحرة والكهنة فسألهم عن رؤياه فقالوا: يخرج من هذا البلد يعنون بيت المقدس الذي جاء بنو إسرائيل منه رجل وقيل: إنه لما تقارب زمان موسى أتى منجمو فرعون إليه فقالوا: اعلم أنّا نجد في علمنا أن مولودًا من بني إسرائيل قد أظلّك زمانه الذي يولد فيه يسلبك ملكك ويغلبك على سلطانك ويبدل دينك فأمر بقتل كلّ مولود يولد في بني إسرائيل.
أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه ذلك مع قدرة الإله العظيم الذي لا يخالف أمره ولا يغلب، بل نفذ حكمه في القدم بأن يكون هلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده وقتلت بسببه ألوفاً من الولدان، إنما منشؤه ومرباه على فراشك، وفي دارك، وغذاؤه من طعامك، وأنت تربيه وتدلله وتتفاداه وحتفك وهلاكك وهلاك جنودك على يديه، لتعلم أن رب السماوات العلا هو القاهرون فيها الغالب العظيم، القوي العزيز الشديد المحال الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.