صفوه التفاسير (صفحة 981)

الخلق من العدم، ثم يعيدهم بعد موتهم للحساب والجزاء {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} أي إِعادة الخلق أهونُ عليه من بدئه قال ابن عباس: يعني أيسر عليه، وقال مجاهد: الإِعادة أهون من البداءة، والبداءة عليه هنيّه قال المفسرون: خاطب تعالى العباد بما يعقلون، فإِذا كانت الإِعادة أسهل من الابتداء في تقديركموحكمكم، فإِن من قدر على الإِنشاء كان البعث أهون عليه حسب منطقكم وأصولكم {وَلَهُ المثل الأعلى} أي له الوصف الأعلى الذي ليس لغيره ما يدانيه فيه من الجلال والكمال، والعظمة والسلطان {فِي السماوات والأرض} أي يصفه به من فيهما وهو أنه الذي ليس كمثله شيء {وَهُوَ العزيز الحكيم} أي القاهر لكل شيء الحكيم الذي كل أفعاله على مقتضى الحكمة والمصلحة، ثم وضّح تعالى بطلان عبادتهم للأوثان بمثل فقال: {ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ} أي ضرب لكم أيها القوم ربكم مثلاً واقعياً من أنفسكم {هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ} أي هل يرضى أحدكم أن يكون عبده ومملوكه شريكاً له في ماله الذي رزقه الله تعالى؟ فإِذا لم يرض أحدكم لنفسه ذلك فكيف ترضون لله شريكاً له وهو في الأصل مخلوق وعبدٌ لله؟ {فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} هذا من تتمة المثل أي لستم وعبيدكم سواءٌ في أموالكم، ولستم تخافونهم كما تخافون الأحرار مثلكم، وأنتم لا ترضون أن يكون عبيدكم شركاء لكم في أموالكم، فكيف رضيتم لله شريكاً في خلقه وملكه؟ {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أي مثل ذلك البيان الواضح نبيّن الآيات لقومٍ يستعملون عقولهم في تدبر الأمثال {بَلِ اتبع الذين ظلموا أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} بلْ للإِضراب أي ليس لهم حجة ولا معذرة في إِراكهم بالله بل ذلك بمجرد هوى النفس بغير علم ولا برهان قال القرطبي: لما قامت عليهم الحجة ذكر أنهم يعبدون الأصنام باتباع أهوائهم في عبادتها، وتقليد الأسلاف في ذلك {فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ الله} أي لا أحد يستطيع أن يهدي من أراد الله إِضلاله {وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} أي ليس لهم من عذاب الله منقذٌ ولا ناصر {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} أي أخلص دينك لله وأقبل على الإِسلام بهمة ونشاط {حَنِيفاً} أي مائلاً عن كل دين باطل إلأى الدين الحق وهو الإِسلام {فِطْرَتَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا} أي هذا الدين الحق الذي أمرناك بالاستقامة عليه هو خلقة الله التي خلق الناس عليها وهو فطرة التوحيد كما الحديث

«كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه» الحديث {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} أي لا تغيير لتلك الفطرة السليمة من جهته تعالى قال ابن الجوزي: لفظة لفظ النفي ومعناه النهي أي لا تبدلوا خلق الله فتغيّروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها {ذَلِكَ الدين القيم} أي ذلك هو الدين المستقيم {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أي أكثر الناس جهلة لا يتفكرون فيعلمون أن لهم خالقاً معبوداً {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ واتقوه وَأَقِيمُواْ الصلاة} أي أقيموا وجوهكم أيها الناس على الدين الحق حال كونكم منيبين إِلى ربكم أي راجعين إِليه بالتوبة وإِخلاص العمل، وخافوه وراقبوه في أقوالكم وأفعالكم، وأقيموا الصلاة على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015