صفوه التفاسير (صفحة 950)

أي ويم يناديهم الله ويسألهم: ماذا أجبتم رسلي؟ هل صدقتموهم أم كذبتموهم؟ {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنبآء يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ} أي فخفيت عليهم الحجج، وأظلمت عليهم الأمور، فلم يعرفوا ما يقولون، فهم حيارى واجمون، لا يسأل بعضهم بعضاً عن الجواب لفرط الدهشة والحيرة {فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فعسى أَن يَكُونَ مِنَ المفلحين} أي فأمّا من تاب من الشرك، وجمع بين الإِيمان والعمل الصالح فعسى أنيكون من الفائزين بجنات النعيم قال الصاوي: والترجي في القرآن بمنزلة التحقق، لأنه وعد كريم من ربٍّ رحيم، ومن شأنه تعالى أنه لا يخلف وعده {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ} أي هو تعالى الخالق المتصرف، يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد، فلا اعتراض لأحدٍ على حكمه قال مقاتل: نزلت في «الوليد بن المغيرة» حين قال

{لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] {مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة} أي مان أحدٍ من العباد اختيار، إنما الاختيار والإِرادة لله وحده {سُبْحَانَ الله وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي تنزَّه الله العظيم الجليل وتقدس أن ينازعه أحدٌ في ملكه، أو يشاركه في اختياره وحكمته قال القرطبي: المعنى وربك يخلق ما يشاء من خلقه، ويختار من يشاء لنبوته، والخيرة له تعالى في أفعاله، وهو أعلم بوجوه الحكمة، فليس لأحدٍ من خلقه أن يختار عليه {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} أي هو تعالى العالم بما تخفيه قلوبهم من الكفر والعداوة للرسول والمؤمنين، وما يظهرونه على ألسنتهم من الطعن في شخص رسوله الكريم حيث يقولون: ما أنزل الله الوحي إلا على يتيم أبي طالب! {وَهُوَ الله لا إله إِلاَّ هُوَ} أي هو جل وعلا اللهُ المستحقُ للعبادة، لا أحد يستحقها إلا هو {لَهُ الحمد فِي الأولى والآخرة} أي له الثناء الكامل في الدنيا والفصل بين العباد {وَلَهُ الحكم} أي وله القضاء النافذ والفصل بين العباد {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أي إليه وحده مرجع الخلائق يوم القيامة، فيجازي كل عاملٍ بعمله.

البَلاَغَة: تضمنت الآياتُ الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:

1 - التشبيه البليغ {بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ} أي أعطيناه التوراة كأنها أنوار لقلوب الناس، حذف أداة الشبه ووجه الشبه فأصبح بليغاً قال في حاشية البيضاوي: أي مشبهاً بأنوار القلوب من حيث إن القلوب لو كانت خالية عن أنوار التوراة وعلومها لكانت عمياء لا تستبصر، ولا تعرف حقاً من باطل.

2 - المجاز العقلي {أَنشَأْنَا قُرُوناً} المرادبه الأمم لأنهم يخلقون في تلك الأزمنة فنسب إلأى القرون بطريق المجاز العقلي.

3 - جناس الاشتقاق {تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ} .

4 - المجاز المرسل {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} والمراد بما كسبواوهو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل قال الزمخشري: ولما كانت أكثر الأعمال تزاول بالأيدي جعل كل عمل معبراً عنه باجتراح الأيدي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015