الآمنين} أي فنودي يا موسى: إرجع إلى حيث كنت ولا تخف فأنت آمنٌ من المخاوف، فرجع وأدخل يده في فم الحية فعادت عصا {اسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء} أي أدخل يدك في جيب قميصك - وهو فتحة الثوب مكان دخول الرأس - ثم أخرجها تخرج مضيئةُ منيرة تتلألأ كأنها قطعة قمر في لمعان البرق من غير أذى ولا برص {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب} قال ابن عباس: اضمم يدك إلى صدرك من الخوف يذهب عنك الرعب قال المفسرون: المراد بالجناح اليد لأن يدي الإِنسان بمنزلة جناح الطائر، وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضده اليسرى فقد ضم جناحه إليه وبذلك يذهب عنه الخوف من الحية ومن كل شيء {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} أي فهذان - العصا واليد - دليلان قاطعان، وحجتان نيرتان واضحتان من الله تعالى تدلان على صدقك، وهما آيتان إلى فرعن واشراف قومه الطُغاة المتجبرين {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ} أي خارجين عن طاعتنا، مخالفين لأمرنا {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ} أي قال موسى يا رب إني قتلت قبطياً من آل فرعون وأخشى إن أتيتهم أن يقتلوني به قال المفسرون: هو القبطي الذي وكزه فمات، فطلب من ربه ما يزداد به قوة على مجابهة فرعون بإرسال أخيه هارون معه فقال {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً} أي هو أوضح بياناً، وأطلق لساناً، لأن موسى كان في لسانه حُبْسة من أثر الجمرة التي تناولها في صغره {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي} أي فأرسلْهُ معي معيناً يبيّن لهم عني ما أكلمهم به بتوضيح الحجج والبراهين {إني أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} أي أخاف إن لم يكن لي وزير ولا معين أن يكذبوني لأنهم لا يكادون يفقهون عني، قال الرازي: والمعنى أرسل معي أخي هارون حتى يعاضدني على إِظهار الحجة والبيان، وليس الغرض بتصديق هارون أن يقول ل: صدقتَ، أو يقول للناس: صدقَ موسى، وإنما هو أن يُلخّص بلسانه الفصيح وجوه الدلائل، ويجيب عن الشبهات، ويجادل به الكفار {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً} أي أجابه تعالى إلى طلبه وقال له: سنقوّيك بأخيك ونعينك به، ونجعل لكما غلبةً وتسلطاً على فرعون وقومه {فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ} أي لا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما بسبب ما أيدتكما به من المعجزات الباهرات {أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون} أي العاقبة لكما ولأتباعكما في الدنيا والآخرة، وأنتم الغالبون على القوم المجرمين كقوله تعالى
{كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21] {فَلَمَّا جَآءَهُم موسى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ} أي فلما جاءهم موسى بالبراهين الساطعة، والمعجزات القاطعة، الدالة على صدقه وأنه رسولٌ من عند الله {قَالُواْ مَا هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى} أي ما هذا الذي جئتنا به من العصا واليد إلا سحرٌ مكذوب مختلق، افتريته من قبل نفسك وتنسبه إلى الله {وَمَا سَمِعْنَا بهذا في آبَآئِنَا الأولين} أي وما سمعنا بمثل هذه الدعوى - التوحيد - في آبائنا وأجدادنا السابقين {وَقَالَ موسى ربي أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بالهدى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدار} أجمل موسى في جوابهم تلطفاً في الخطاب، وإيثاراً لأحسن الوجوه في المجادلة معهم والمعنى: إن ما جئتكم به حقٌ وهدى وليس بسحر، وربي عالمٌ بذلك يعلم أني محقٌ وأنتم مبطلون، ويعلم من