يحتاج إليها الملوك من أسباب الدنيا من سعة المال وكثرة الرجال ووفرة السلاح والعتاد {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} أي ولها سرير كبير مكلَّل بالدر والياقوت قال قتادة: كان عرشُها من ذهب، قوائمُه من جوهر، مكلَّل باللؤلؤ قال الطبري: وعنى بالعظيم في هذا الموضع العظيم في قدرة وخطره، لا عِظمه في الكبر والسعة، ولهذا قال ابن عباس: {عَرْشٌ عَظِيمٌ} أي سرير كريم حسن الصنعة، وعرشُها سريرٌ من ذهب قوائمُه من جوهرٍ ولؤلؤ، ثم أخذ يحدثه عما هو أعظم وأخطر فقال {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ الله} أي وجدتهم جميعاً مجوساً يعبدون الشمس ويتركون عبادة الواحد الأحد {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ} أي حسَّن لهم إبليسعبادتهم الشمس وسجودهم لها من دون الله {فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل} أي منعهم بسبب هذا الضلال عن طريق الحق والصواب {فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ} أي فهم بسبب إغواء الشيطان لا يهتدون إلى الله وتوحيده، ثم قال الهدهد متعجباً {أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ الذي يُخْرِجُ الخبء فِي السماوات والأرض} أي أيسجدون للشمس ولا يسجدون للهِ الخالق العظيم، الذي يعلم الخفايا ويعلم كل مخبوء في العالم العلوي والسفلي؟ قال ابن عباس: يعلم كل خبيئةٍ في السماء والأرض {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} أي ويعلم السرَّ والعلن، ما ظهر وما بطن {الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ رَبُّ العرش العظيم} أي هو تعالى المتفرد بالعظمة والجلال، ربُّ العرش الكريم المستحق للعبادة والسجود، وخصَّ العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات، وإِلى هنا انتهى كلام الهُدهد {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين} أي قال سليمان: سننظر في قولك ونتثبت هل أنت صادقٌ أم كاذب فيه؟ قال ابن الجوزي: وإِنما شكَّ في خبره لأنه أنكر أن يكون لغيره سلطان، ثم كتب كتاباً وختمه بخاتمه ودفعه إلى الهُدهد وقال {اذهب بِّكِتَابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} أي اذهب بهذا الكتاب وأوصلْه إلى ملكة سبأ وجندها {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} أي تنحَّ إلى مكان قريب مستتراً عنهم {فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ} أي فانظر ماذا يردون من الجواب؟ قال المفسرون: أخذ الهدهد الكتاب وذهب إلى بلقيس وقومها، فرفرف فوق رأسها ثم ألقى الكتاب في حجرها {قَالَتْ ياأيها الملأ إني أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} أي قالت لأشراف قومها إنه أتاني كتاب عظيم جليل {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرحمن الرحيم} أي إن هذا الكتاب مرسل من سليمان ثم فتحته فإِذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم وهو استفتاح شريفٌ بارع فيه إعلان الربوبية لله ثم الدعوة إلى توحيد الله والانقياد لأمره {أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} أي لا تتكبروا عليَّ كما يفعل الملوك وجيئوني مؤمنين قال ابن عباس: أي موحدين، وقال سفيان: طائعين {قَالَتْ ياأيها الملأ أَفْتُونِي في أَمْرِي} أي أشيروا عليَّ في الأمر {مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حتى تَشْهَدُونِ} أي ما كنتُ لأقضي أمراً بدون حضوركم ومشورتكم {قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} أي نحن أصحابُ كثرةٍ في الرجال