فآبوا بالنهاب وبالسبايا ... وأُبنا بالملوك مقرَّنينا
التفسِير: {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ} أي تمجَّد وتعظَّم وتكاثر خير الله الذي نزَّل القرآن العظيم الفارق بين الحق والباطل على عبده محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} أي ليكون محمد نبياً للخلق أجمعين مخوفاً لهم من عذاب الله {الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض} أي هو تعالى المالك لجميع ما في السماوات والأرض خلقاً وملكاً وعبيداً {وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} أي وليس له ولدٌ كما زعم اليهود والنصارى {وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ} أي وليس معه إِله كما قال عبدة الأوثان {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} أي أوجد كل شيء بقدرته مع الإِتقان والإِحكام قال في التسهيل: الخلق عبارة عن الإِيجاد بعد العدم، والتقدير عبارةٌ عن اتقان الصنعة وتخصيص كل مخلوق بمقداره وصنعته، وزمانه ومكانه، ومصلحته وأجله وغير ذلك وقال الرازي: وصف سبحانه ذاته بأربع أنواع من صفات الكبرياء: الأول: أنه المالك للسماوات والأرض وهذا كالتنبيه على وجوده والثاني: أنه هو المعبود أبداً والثالث: أنه المنفرد بالألوهية والرابع: أنه الخالق لجميع الأشياء مع الحكمة والتدبير {واتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً} أي عبد المشركون غير الله من الأوثان والأصنام {لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} أي لا يقدرون على خلق شيء أصلاً بل هم مصنوعون بالنحت والتصوير فكيف يكونون آلهة مع الله؟ {وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً} أي لا يستطيعون دفع ضرٍ عنهم ولا جلب نفع لهم {وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُوراً} أي لا تملك أن تُميت أحداً، ولا أن تُحيي أحدا ً ولا أن تبعث أحداً من الأموات قال الزمخشري: المعنى أنهم آثروا على عبادة الله عبادة آلهة لا يقدرون على شيء، وإِذا عجزوا عن دفع الضرر وجلب النفع الذي يقدر عليه العباد كانوا عن الموت والحياة والنشور الذي لايقدر عليها إِلا الله أعجز {وَقَالَ الذين كفروا إِنْ هذا إِلاَّ إِفْكٌ افتراه} أي وقال كفار قريش ما هذا القرآن إِلا كذب اختلقه محمد من تلقاء نفسه {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} أي وساعده على الاختلاق قومٌ من أهل الكتاب {فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً} أي جاءوا بالظلم والبهتان حيث جعلوا العربي يتلقَّنُ من العجمي كلاماً عربياً أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب فكان كلامهم فيه محض الكذب والزور {وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها} أي وقالوا في حق القرآن أيضاً إِنه خرافات الأمم السابقين أمر أن تكتب له {فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} أي فهي تُلقى وتُقرأ عليه ليحفظها صباحاً ومساءً قال ابن عباس: والقائل هو «النضر بن الحارث» وأتباعه والإِفكُ أسوأ الكذب {قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر فِي السماوات والأرض} هذا ردٌّ عليهم في تلك المزاعم أي قل لهم يا محمد أنزله الله العليم القدير الذي لا يخفى عليه شيء في السماوات والأرض {إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} أي إِنه تعالى لم يعجّل لكم العقوبة بل أُمهلكم رحمة بكم لأنه واسع المغفرة رحيم