صفوه التفاسير (صفحة 868)

لهذه الأمة وفي الحديث بشارة كذلك فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:

«إنَّ الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها» {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الذي ارتضى لَهُمْ} أي وليجعلنَّ دينهم - الإِسلام - الذي ارتضاه لهم عزيزاً مكيناً عالياً على كل الأديان {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} أي وليغيرن حالهم التي كانوا عليها من الخوف والفزع إلى الأمن والاستقرار كقوله {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 4] {يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} استئنافٌ بطريق الثناء عليهم كالتعليل للاستخلاف ي الأرض أي يوحدونني ويهلصون لي العبادجة، لا يعبدون إلهاً غيري {وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك} أي فمن جحد شكر النعم {فأولئك هُمُ الفاسقون} هم الخارجون عن طاعة الله، العاصون أمر الله قال أبو العالية: أي من كفر بهذه النعمة وليس يعني الكفرَ بالله قال الطبري: وهو أشبه بتأويل الآية لأان اللهَ وعد الإِنعام على هذه الأمة بما أخبر في هذه الآية بأنه منعم به عليهم ثم قال {وَمَن كَفَرَ} أي كفر هذه النعمة {فأولئك هُمُ الفاسقون} {وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة} أي أقيموا أيها المؤمنون الصلاة وأُدوا الزكاة على الوجه الأكمل الذي يُرضي الله {وَأَطِيعُواْ الرسول لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي أطيعوا الرسول في سائر ما أمركم به رجاء الرحمة {لاَ تَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض} تسليةٌ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ووعدٌ له بالنُّصرة اي لا تظننَّ يا محمد الكافرين الذين عاندوك وكذبوك معجزين لله في هذه الحياة بل الله قادرٌ عليهم في كل حين وأن {وَمَأْوَاهُمُ النار} أي مرجعهم نار جهنم {وَلَبِئْسَ المصير} أي بئس المرجع والمآل الذي يصيرون إليه {ياأيها الذينءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ الذين مَلَكَتْ أيمانكم} أي يا أيها المؤمنون الذين صدَّقوا الله ورسوله وأيقنوا بشريعة الإِسلام نظاماً وحكماً ومنهاجاً ليستأذنكم في الدخول عليكم العبيدُ والاِماء الذين تملكونهم ملك اليمين {والذين لَمْ يَبْلُغُواْ الحلم مِنكُمْ} أي والأطفال الذين لم يبلغوا مبلغ الرجال الأحرار ليستأذنوا أيضاً {ثَلاَثَ مَرَّاتٍ} أي في ثلاثة أوقات {مِّن قَبْلِ صلاوة الفجر} أي في الليل وقت نومك وخلودكم إلى الراحة {وَحِينَ تَضَعُونَ ثيابكم مِّنَ الظهيرة} أي وقت الظهر حين تخلعون ثيابكم للقيلولة {وَمِن بَعْدِ صلاوة العشآء} أي ووقت إرادتكم النوم واستعدادكم له {ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ} اي هي ثلاثة أوقات يختل فيها تستركم، العوراتُ فيها بادية والتكشف فيها غالب، فعلِّموا عبيدكم وخدمكم وصبيانكم ألاّ يدخلوا عليكم في هذه الأوقات إلا بعد الاستئذان {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} أي ليس عليكم ولا على المماليك والصبيان حرجٌ في الدخول عليكم بغير استئذان بعد هذه الأوقات الثلاثة {طوافون عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ على بَعْضٍ} أي لأنهم خدمكم يطوفون عليكم للخدمة وغير ذلك قال أبو حيان: أي يمضون ويجيئون ويدخلون عليكم في المنازل غدوةً وعشية بغير إذن إلا في تلك الأوقات {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الأيات} أي مثل ذلك التوضيح والبيان يبيّن الله لكم الأحكام الشرعية لتتأدبوا بها {والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي عالمٌ بأمور خلقه، حكيمٌ في تدبيره لهم {وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ الحلم} أي وإذا بلغ هؤلاء الأطفال الصغار مبلغ الرجال وأصبحوا في سنّ التكليف {فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا استأذن الذين مِن قَبْلِهِمْ} أي فعلموهم الأدب السامي أن يستأذنوا في كل الأوقات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015