من الفسقة والمشركين، وهذا على الأعم الأغلب كما يقال: لايفعل الخير إلا الرجل التقي، وقد يفعل بعض الخير من ليس بتقيٍّ فكذا هنا» {وَحُرِّمَ ذلك عَلَى المؤمنين} أي وحرم الزنى على المؤمنين لشناعته وقبحه، أو حرم نكاح الزواني على المؤمنين لما فيه من الأضرار الجسيمة.
. ثم شرع تعالى في بيان حد القذف فقال {والذين يَرْمُونَ المحصنات} أي يقذفون بالزنى العفيفات الشريفات {ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ} أي ثم لم يأتوا على دعواهم بأربعة شهود عدول يشهدون عليهم بما نسبوا إليهم من الفاحشة {فاجلدوهم ثَمَانِينَ جَلْدَةً} أي اضربوا كل واحدٍ من الرامين ثمانين ضربةً بالسوط ونحوه، لأنهم كذبة يتهمون البريئات، ويخوضون في أعراض الناس {وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} أي وزيدوا لهم في العقوبة بإهدار كرامتهم الإِنسانية فلا تقبلوا شهادة أي واحدٍ منهم ما دام مصراً على كذبه وبهتانه {وأولئك هُمُ الفاسقون} أي هم الخارجون عن طاعة الله عَزَّ وَجَلَّ لإِتيانهم بالذنب الكبير، والجرم الشنيع قال ابن كثير: أوجب تعالى على القاذف إذا لم يُقم البينة على صحة ما قال ثلاثة أحكام: أحدها أن يجلد ثمانين جلدة الثاني: أن ترد شهادته أبداً الثالث: أن يكون فاسقاً ليس بعدل لا عند الله ولا عند الناس {إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذلك} أي إلا الذين تابوا وأنابوا وندموا على ما فعلوا من بعد ما اقترفوا ذلك الذنب العظيم {وَأَصْلَحُواْ} أي أصلحوا أعمالهم فلم يعودوا إلى قذف المحصنات قال ابن عباس: أي أظهروا التوبة {فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي فاعفوا عنهم واصفحوا وردُّوا إليهم اعتبارهم بقبول شهادتهم، فإن الله غفور رحيم يقبل توبة عبده إذا تاب وأناب وأصلح سيرته وحاله.
. ثم ذكر تعالى حكم من قذف زوجته وهو المعروف باللعان فقال {والذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} أي يقذفون زوجاتهم بالزنى {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ} أي وليس لهم شهود يشهدون بما رموهنَّ به من الزنى سوى شهادة أنفسهم {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بالله} أي فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حدَّ القذف أربع شهادات بالله تقوم مقام الشهداء الأربعة {إِنَّهُ لَمِنَ الصادقين} أي إنه صادقٌ فيما رمى به زوجته من الزنى {والخامسة أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ} أي وعليه أيضاً أن يحلف في المرة الخامسة بأن لعنة الله عليه {إِن كَانَ مِنَ الكاذبين} أي إن كان كاذباً في قذفه لها بالزنى {وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا العذاب} أي ويدفع عن الزوجة المقذوفة حدَّ الزنى الذي ثبت بشهادة الزوج {أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بالله إِنَّهُ لَمِنَ الكاذبين} أي أن تحلف أربع مرات إنه لمن الكاذبين فيما رماها به من الزنى {والخامسة أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ الصادقين} أي وتحلف في المرة الخامسة بأنَّ غضب الله وسخطه عليها إن كان زوجها صادقاً في اتهامه لها بالزنى {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أي ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم بالستر في ذلك، وجوابُ {وَلَوْلاَ} محذوف لتهويل الأمر تقديره: لهلكتم أو لفضحكم أو عاجلكم بالعقوبة، ورب مسكوتٍ عنه أبلغ من المنطوق {وَأَنَّ الله تَوَّابٌ حَكِيمٌ} أي وأنه تعالى مبالغ في قبول التوبة، حكيم في ما شرع من الأحكام ومن جملتها حكم اللعان قال أبو السعود: وجواب لولا محذوف