صفوه التفاسير (صفحة 814)

على جمل هزيل قد أعبه وأنهكه بعد المسافة {يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} أي تأتي الإِبل الضامرة من كل طريق بعيد قال القرطبي: ورد الضمير إلى الإِبل {يَأْتِينَ} تكرمةً لها لقصدها الحج مع أربابها كما قال

{والعاديات ضَبْحاً} [العاديات: 1] في خلي الجهاد تكرمةً لها حين سعت في سبيل الله {لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ} أي يلحضروا منافع لهم كثيرة دينية ودنيوية قال الفخر الرازي: وانما نكَّر المنافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات {وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام} أي ويذكروا عند ذبح الهدايا والضحايا اسم الله في أيام النحر شكراً لله على نعمائه وعلى ما رزقهم وملكهم من الأنعام وهي: الإِبل والبقر والغنم والمعز قال الرازي: وفيه تنبيه على أن الغرض الأصلي ذكر اسمه تعالى عند الذبح وأن يخالف المشركين في ذلك فإنهم كانوا يذبحونها للنصب والأوثان {فَكُلُواْ مِنْهَا} أي كلوا من لحوم الأضاحي {وَأَطْعِمُواْ البآئس الفقير} أي أطعموا منها البائس الذي أصابه بؤس وشدة، والفقير الذي أضعفه الإِعسار قال ابن عباس: البائس الذي ظهر بؤسه في ثيابه وفي وجهه، والفقير الذي لا يكون كذلك، ثيابه نقية ووجهه وجه غني {ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} أي ثم بعد الذبح ليزيلوا وسخهم الذي أصابهم بالإِحرام وذلك بالحلق والتقصير وإزالة الشعث وقص الشارب والأظافر {وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ} أي ما أوجبوه على أنفسهم بالنذر طاعةً لله {وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق} أي ليطوفوا حول البيت العتيق طواف الإِفاضة وهو طاوف الزيارة الذي به تمام التحلل، والعتيق: القديم سمي به لأنه أول بيت وضع للناس {ذلك} أي الأمر والشأن ذلك قال الزخمشري: كما يقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال: هذا وقد كان كذا {وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله} أي من يعظم ما شرعه الله من أحكام الدين ويجتنب المعاصي والمحارم {فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} أي ذلك التعظيم خير له ثواباً في الآخرة {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنعام إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ} أي أحللنا لكم جميع الأنعام إلا ما استثني في الكتاب المجيد كالميتة والمنخنقة وما ذبح لغير الله وغير ذلك {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} أي اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان كما تجتنب الأنجاس، وهو غاية المبالغة في النهي عن عبادتها وتعظيمها {واجتنبوا قَوْلَ الزور} أي واجتنبوا شهادة الزور {حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} أي مائلين إلى الحق مسلمين لله غير مشركين به أحداً {وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السمآء فَتَخْطَفُهُ الطير} تمثيل للمشرك في ضلاله وهلاكه أي ومن أشرك بالله فكأنما سقط من السماء فتخطفه الطير وتمزقه كل ممزق {أَوْ تَهْوِي بِهِ الريح فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} أي أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المهالك البعيدة {ذلك وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله} أي ذلك ما وضحه الله لكم من الأحكام والأمثال ومن يعظم أمور الدين ومنها أعمالُ الحج والأضاحي والهدايا {فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب} أي فإن تعظيمها من أفعال المتقين لله قال القرطبي: أضاف التقوى إلى القلوب لأن التقوى في القلب وفي الحديث

«التقوى هاهنا» وأشار إلى صدره {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إلى أَجَلٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015