المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى أهل السعادة وأهل الشقاوة، ذكر هنا ما دار بينهم من الخصومة في دينه وعبادته، ثم ذكر عظم حرمة البيت العتيق وبناء الخليل له، وعظم كفر هؤلاء المشركين الذي يصدون الناس عن سبيل الله والمسجد الحرام.
اللغَة: {يُصْهَرُ} الصهر: الإِذابة صهرت الشيء فانصهر أي أذبته فذاب {مَّقَامِعُ} المقامع: السياط جمع مقمعة سميت بذلك لأنها تقمع الفاجر {العاكف} المقيم الملازم {والباد} القادم من البادية {بَوَّأْنَا} أنزلنا وهيأنا وأرشدنا {رِجَالاً} جمع راجل وهو الماشي على قدميه {ضَامِرٍ} الضامر: البعير المهزول الذي أتعبه السفر {تَفَثَهُمْ} التفث في اللغة: الوسخ والقذر قال الشاعر:
حفوا رءوسهم لم يحلقوا تفثاً ... ولم يسلُّلوا لهم قملاً وصئباناً
قال الثعلبي: أصل التفث في اللغة الوسخ، تقول العرب للرجل تستقذره: ما أتفثك أي ما أوسخك وأقذرك {المخبتين} المخبت: المتواضع الخاشع لله.
التفسِير: {هذان خَصْمَانِ} أي هذان فريقان مختصمان فريق المؤمنين المتقين، وفريق الكفرة المجرمين {اختصموا فِي رَبِّهِمْ} أي اختلفوا وتنازعوا من أجل الله ودينه قال مجاهد: هم المؤمنون والكافرون، فالمؤمنون يريدون نصرة دين الله، والكافرون يريدون إطفاء نور الله {فالذين كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ} أي فصلت لهم ثيابٌ من نار على قدر أجسادهم ليلبسوها إذا صاروا إلى النار قال القرطبي: شبهت النار بالثياب لأنها لباس لهم كالثياب ومعنى {قُطِّعَتْ} خيطت وسويت، وذرك بلفظ الماضي لأن الموعود منه كالواقع المحقق {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم} أي يصب على رءوسهم الماء الحار المغلي بنار جهنم {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ والجلود} أي يذاب به ما في بطونهم من الأمعاء والأحشاء مع الجلود قال ابن عباس: لو سقطت منه قطرة على جبال الدنيا لأذابتها وفي الحديث «إن الحميم ليصب على رءوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر، ثم يعا كما كان» قال الإِمام الفخر: والغرض أن الحميم إذا صب على رءوسهم كان تأثيره في الباطن مثل تأثيره في الظاهر، فيذيب أمعاءهم وأحشاءهم كما يذيب جلودهم وهو أبلغ من قوله {وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ} [محمد: 15] {وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} أي ولهم مطارق وسياط من الحديد يضربون بها ويدفعون وفي الحديث «لو وضعت مقمعة منها في الأرض فاجتمع عليها الثقلان ما أقلوها» {كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا