صفوه التفاسير (صفحة 786)

أنزلنا إِليكم يا معشر العرب كتاباً عظيماً مجيداً لا يماثله كتاب فيه شرفُكم وعزكُم لأنه بلغتكم {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أي أفلا تعقلون هذه النعمة فتؤمنون بما جاءكم به محمد عليه السلام؟ {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} أي وكثيراً أهلكنا من أهل القرى الذين كفروا بآيات الله وكذبوا رسله {وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ} أي وخلقنا أمة أخرى بعدهم {فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ} أي فلما رأوا عذابنا بحاسة البصر وتيقنوا نزوله إذا هم يهربون فارين منهزمين قال أبو حيان: لما أدركتهم مقدمة العذاب ركبوا دوابّهم يركضونها هاربين منهزمين {لاَ تَرْكُضُواْ وارجعوا إلى مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} أي تقول لهم الملائكة استهزاءً: لا تركضوا هاربين من نزول العذاب وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة والسرور ولين العيش {وَمَسَاكِنِكُمْ} أي ارجعوا إلى مساكنكم الطيبة {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} أي لعلكم تُسألون عما جرى عليكم، وهذا كله من باب الاستهزاء والتوبيخ {قَالُواْ ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} أي قالوا يا هلاكنا ودمارنا إنا كنا ظالمين بالإشراك وتكذيب الرسل، اعترفوا وندموا حين لا ينفعهم الندم {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} أي فما زالت تلك الكلمات التي قالوها يكررونها ويردّدنها {حتى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ} أي حتى أهلكناهم بالعذاب وتركناهم مثل الحصيد موتى كالزرع المحصود بالمناجل {وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} أي لم نخلق ذلك عبثاً وباطلاً وإنما خلقناهما دلالةً على قدرتنا ووحدانيتنا ليعتبر الناس ويستدلوا بالخلق على وجود الخالق المدبّر الحكيم {لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً} قال ابن عباس: هذا ردٌّ على من قال اتخذ الله ولداً والمعنى لو أردنا أن نتخذ ما يُتلهى به من زوجةٍ أو ولد {لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ} أي لاتخذناه من عندنا من الحور العين أو الملائكة {إِن كُنَّا فَاعِلِينَ} أي لو أردنا فعل ذلك لاتخذنا من لدنا ولكنه منافٍ للحكمة فلم نفعله {بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ} أي بل نرمي بالحق المبين على الباطل المتزعزع فيقمعه ويُبطله {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} أي هالك تالف {وَلَكُمُ الويل مِمَّا تَصِفُونَ} أي ولكم يا معشر الكفار العذاب والدمار من وصفكم الله تعالى بما لا يجوز من الزوجة والولد {وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض} أي وله جلَّ وعلا جميع المخلوقات ملكاً وخلقاً وتصرفاً فكيف يجوز أن يشرك به ما هو عبدٌ ومخلوق له؟ {وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} أي والملائكة الذين عبدتموهم من دون الله لا يتكبرون عن عبادة مولاهم ولا يَعْيَون ولا يملُّون {يُسَبِّحُونَ اليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ} أي هم في عبادة دائمة ينزّهون الله عما لا يليق به ويصلّون ويذكرون الله ليل نهارَ لا يضعفون ولا يسأمون {أَمِ اتخذوا آلِهَةً مِّنَ الأرض هُمْ يُنشِرُونَ} لما ذكر الدلائل على وحدانيته وأن من في السماوات والأرض ملكٌ له وأن الملائكة المقربين في طاعته وخدمته عاد إلى ما كان عليه من توبيخ المشركين وذمهم وتسفيه أحلامهم، و {أَمِ} منقطع بمعنى بل والهمزة فيها استفهام معناه التعجب والإنكار والمعنى هل اتخذ هؤلاء المشركون آلهةً من الأرض قادرين على إحياء الموتى؟ كلا بل اتخذوا آلهة جماداً لا تتصف بالقدرة على شيء فهي ليست بآلهة على الحقيقة لأن من صفة الإِله القدرةُ على الإِحياء والإِماتة {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} هذا برهان على وحدانيته تعالى أي لو كان في الوجود

طور بواسطة نورين ميديا © 2015