صفوه التفاسير (صفحة 686)

دَخَلاً بَيْنَكُمْ} أي تتخذون أيمانكم خديعة ومكراً تخدعون بها الناس {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} أي لأجل أن تكون أمة أكثر عدداً وأوفر مالاً من غيرها قال مجاهد: كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعزَّ، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون أولئك {إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ} أي إنما يختبركم الله بما أمركم به من الوفاء بالعهد لينظر المطيع من العاصي {وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القيامة مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} أي ليجازي كل عاملٍ بعمله من خير وشرّ {وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي لو شاء الله لخلق الناس باستعداد واحد، وجعلهم أهل ملةٍ واحدة، لا يختلفون ولا يفترقون {ولكن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ} أي ولكنْ اقتضت حكمته أن يتركهم لاختيارهم، ناسٌ للسعادة وناس للشقاوة، فيضلُّ من يشاء بخذلانه إياهم عدلاً، ويهدي من يشاء بتوفيقه إياهم فضلاً {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي ثم يسألكم يوم القيامة عن جميع أعمالكم فيجازيكم على الفتيل والقطمير {وَلاَ تتخذوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ} كرره تأكيداً ومبالغة في تعظيم شأن العهود أي لا تعقدوا الأيمان وتجعلوها خديعة ومكراً تغرون بها الناس لتحصلوا على بعض منافع الدنيا الفانية {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} أي فتزلَّ أقدامكم عن طريق الاستقامة وعن محجة الحق بعد رسوخها فيه قال ابن كثير: هذا مثل لمن كان على الاستقامة فحاد عنها، وزلَّ عن طريق الهدى بسبب الأيمان الحانثة، المشتملة على الصدّ عن سبيل الله، لأن الكافر إذا رأى المؤمن قد عاهده ثم غدر به لم يبق له وثوقٌ بالدين، فيصد بسببه عن الدخول في الإِسلام ولهذا قال {وَتَذُوقُواْ السواء بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ الله} أي يصيبكم العقاب الدنيوي العاجل الذي يسوءكم لصدّكم غيركم عن اعتناق الإسلام بسبب نقض العهود {وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أي ولكم في الآخرة عذاب كبير في نار جهنم {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ الله ثَمَناً قَلِيلاً} أي لا تستبدلوا عهد الله وعهد رسوله بحطام الدنيا الفاني {إِنَّمَا عِنْدَ الله هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي ما عند الله من الأجر والثواب خير لكم من متاع الدنيا العاجل إِذا كنتم تعلمون الحقيقة، ثم علَّل ذلك بقوله {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ} أي ما عندكم أيها الناس فإِنه فانٍ زائل، وما عند الله فإِنه باقٍ دائم، لا انقطاع له ولا نَفَاد، فآثروا ما يبقى على ما يفنى {وَلَنَجْزِيَنَّ الذين صبروا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي ولنثيبنَّ الصابرين بأفضل الجزاء، ونعطيهم الأجر الوافي على أحسن الأعمال مع التجاوز عن السيئات، وهذا وعدٌ كريم بمنح أفضل الجزاء على أفضل العمل، ليكون الجزاء على أحسن العمل دون سواه، وكل ذلك بفضل الله {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} أي من فعل الصالحات ذكراً كان أو أنثى بشرط الإِيمان {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} أي فلنحيينَّه في الدنيا حياة طيبة بالقناعة والرزق الحلال، والتوفيق لصالح الأعمال وقال الحسن: لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015