صفوه التفاسير (صفحة 652)

عَزِيزٌ ذُو انتقام} أي إنه تعالى غالبٌ لا يعجزه شيء منتقم ممن عصاه {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات} أي ينتقم من أعدائه يوم الجزاء، يوم تتبدل هذه الأرض أرضاً أخرى، وتتبدل السماوات سماوات أخرى قال ابن مسعود: تُبدَّل الأرضُ بأرضٍ كالفضة نقية، لم يسفك فيها دم، ولم يعمل عليها خطيئة {وَبَرَزُواْ للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ} أي خرجت الخلائق جميعها من قبورهم، وإنما هم في أرض المحشر أمام الواحد القهار {وَتَرَى المجرمين يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد} أي وفي ذلك اليوم الرهيب تبصر المجرمين مشدودين مع شياطينهم بالقيود والأغلال قال الطبري: أي مقرَّنة أيديهم وأرجُلهم إِلى رقابهم بالأصفاد وهي الأغلال والسلاسل {سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ} أي ثيابهم التي يلبسونها من قطران وهي مادة يسرع فيها اشتعال النار، تُطلى بها الإِبل الجربى فيحرق الجربَ بحرّه وحدته، وهو أسود اللون منتنُ الريح {وتغشى وُجُوهَهُمُ النار} أي تعلوها وتحيط بها النار، جزاء المكر والاستكبار {لِيَجْزِيَ الله كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} أي برزوا يوم القيامة لأحكم الحاكمين ليجازيهم الله على أعمالهم، المحسنَ بإِحسانه، والمسيءَ بإِساءته {إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} أي لا يشغله شأن عن شأن، يحاسب جميع الخلق في أعجل ما يكون من الزمان، في مقدار نصف نهار من أيام الدنيا كما ورد به الأثر {هذا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ} أي هذا القرآن بلاغٌ لجميع الخلق من إِنس وجان، أنزل لتبليغهم بما فيه من فنون العبر والعظات {وَلِيُنذَرُواْ بِهِ} أي لكي يُنصحوا به ويخوّفوا من عقاب الله {وليعلموا أَنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ} أي ولكي يتحققوا بما فيه من الدلائل الواضحة والبراهين القاطعة، على أنه تعالى واحد أحدٌ، فردٌ صمد {وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الألباب} أي وليتعظ بهذا القرآن أصحاب العقول السليمة، وهم السعداء أهل النهي والصلاح.

البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:

1 - التشبيه البليغ {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ} حذف منه أداة التشبيه ووجه الشبه أي قلوبهم كالهواء لفراغها من جميع الأشياء فأصبح التشبيه بليغاً.

2 - الإيجاز بالحذف {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات} حذف منه والسماوات تبدل غير السماوات لدلالة ما سبق.

3 - الطباق في {تَبِعَنِي ... عَصَانِي} وفي {نُخْفِي ... نُعْلِنُ} وفي {الأرض ... السمآء} .

4 - جناس الاشتقاق في {مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ} .

5 - العدول عن المضارع إلى الماضي {وَبَرَزُواْ} بدل {ويبرزون} للدلالة على تحقق الوقوع مثل {أتى أَمْرُ الله} [النحل: 1] فكأنه حدث ووقع فأخبر عنه بصيغة الماضي.

6 - الاستعارة في {لصَّلاَةَ فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تهوي إِلَيْهِمْ} قال الشريف الرضي: وهذه من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015