مِلَّتِنَا} أي قال الكفار للرسل الأطهار والله لنطردنكم من ديارنا أو لترجعنَّ إلى ديننا {فأوحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظالمين} أي أوحى الله إلى الرسل لأهلكنَّ أعداءكم الكافرين المتجبرين {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض مِن بَعْدِهِمْ} أي ولأمنحنكم سكنى أرضهم بعد هلاكهم {ذلك لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} أي ذلك النصر للرسل وإهلاك الظالمين لمن خاف مقامه بين يديَّ وخاف عذابي ووعيدي قال في البحر: ولما أقسموا على إِخراج الرسل أو العودة في ملتهم أقسم تعالى على إهلاكهم، وأي إِخراجٍ أعظم من الإِهلاك بحيث لا يكون لهم عودة إليها أبداً {واستفتحوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} أي واستنصر الرسل بالله على قومهم وخسر وهلك كل متجبر معاند للحق {مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ ويسقى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ} أي من وراء ذلك الكافر جهنم ويسقى فيها من ماءٍ صديد هو من قيح ودمٍ {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} أي يبتلعه مرة بعد مرة لمرارته، ولا يكاد يستسيغه لقبحه وكراهته {وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} أي يأتيه الموت بأسبابه المحيطة به من كل مكان، ولكنَّه لا يموت ليستكمل عذابه {وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} أي ومن بين يديه عذابٌ أشدُّ مما قبله وأغلظ.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة أنواعاً من البلاغة والبيان والبديع نوجزها فيما يلي:
1 - الاستعارة في {لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور} حيث استعار الظلمات للكفر والضلال، والنور للهدى والإيمان، وكذلك {وَيَأْتِيهِ الموت} استعارة عن غواشي الكروب وشدائد الأمور، فقد يوصف المغموم بأنه في غمرات الموت مبالغة في عظيم ما يغشاه وأليم ما يلقاه.
2 - الطباق بين {يُضِلُّ ويَهْدِي} وبين {شَكَرْتُمْ وكَفَرْتُمْ} وبين {نُخْرِجَنَّ وتَعُودُنَّ} .
3 - صيغة المبالغة في {صَبَّارٍ شَكُورٍ} وفي {جَبَّارٍ عَنِيدٍ} .
4 - جناس الاشتقاق في {أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ} وفي {فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون} .
5 - السجع في {شَدِيدٍ، بَعِيدٍ، عَنِيدٍ} الخ.
فَائِدَة: ذكر تعالى في البقرة {يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ} [البقرة: 49] بغير واوٍ وهنا {وَيُذَبِّحُونَ} بالواو، والسرُّ في ذلك أنه في سورة البقرة جاء اللفظ تفسيراً لما سبق من قوله {سواء العذاب} [البقرة: 49] فكأنه قال يسومونكم سوء العذاب ثم فسره بقوله {يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ} [البقرة: 49] أما في هذه السورة فهو غير تفسير لأن المعنى أنهم يعذبونهم بأنواع من العذاب وبالتذبيح أيضاً فهو نوع آخر من العذاب غير الأول والله أعلم.