صفوه التفاسير (صفحة 618)

يبعث الأسى ويثير الأحزان قال الشاعر:

فقلت له إن الأسى يبعث الأسى ... فدعْني فهذا كله قبر مالك

{قَالُواْ تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي لا تفتأ ولا تزال تذكر يوسف وتتفجع عليه {حتى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين} أي حتى تكون مريضاً مشرفاً على الهلاك أو تهلك أسىً وحسرة وتموت {قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله} أي قال لهم يعقوب: لستُ أشكو غميّ وحزني إليكم وإنما أشكو ذلك إلى الله فهو الذي تنفع الشكوى إليه {وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} أي أعلم من رحمته وإحسانه ما لا تعلمون أنتم فأرجو أن يرحمني ويلطف بي ويأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب {يابني اذهبوا فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ} أي اذهبوا إلى الموضع الذي جئتم منه فالتمسوا يوسف وتعرّفوا على خبره وخبر أخيه بحواسكم {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله} أي لا تقنطوا من رحمة الله وفرجه وتنفيسه {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون} أي فإنه لا يقنط من رحمته تعالى إلا الجاحدون المنكرون لقدرته جلَّ وعلا {فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ ياأيها العزيز مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضر} في الكلام محذوف أي فخرجوا راجعين إلى مصر فدخلوا على يوسف فلما دخلوا قالوا يا أيها العزيز أصابنا وأهلنا الشدة من الجدب والقحط {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ} أي وجئنا ببضاعة رديئة مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقاراً قال ابن عباس: كانت دراهمهم رديئة لا تقبل في ثمن الطعام، أظهروا له الذل والانكسار استرحاماً واستعطافاً {فَأَوْفِ لَنَا الكيل} أي أتمم لنا الكيل ولا تنقصْه لرداءة بضاعتنا {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ} أي بردّ أخينا إلينا أو بالمسامحة عن رداءة البضاعة {إِنَّ الله يَجْزِي المتصدقين} أي يثيب المحسنين أحسن الجزاء.

. ولما بلغ بهم الأمر إلى هذا الحد من الاسترحام والضيق والانكسار أدركته الرأفة فباح لهم بما كان يكتمه من أمره {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ} ؟ أي هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه حال شبابكم وطيشكم؟ والغرض تعظيم الواقعة كأنه يقول: ما أعظم ما ارتكبتم في يوسف وما أقبح ما أقدمتم عليه! قال أبو السعود: وإنما قاله نصحاً لهم، وتحريضاً على التوبة، وشفقةً عليهم {قالوا أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ} أي قال إخوته متعجبين مستغربين: أأنت يوسف حقاً؟ {قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وهذا أَخِي} أي قال: نعم أنا يوسف وهذا أخي الشقيق {قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَآ} أي منَّ علينا بالخلاص من البلاء، والاجتماع بعد الفرقة، والعزة بعد الذلة {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} أي لا يبطل أجرهم ولا يضيع إحسانهم بل يجزيهم عليه أوفى الجزاء قال البيضاوي: ووضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على أن المحسن من جمع بين التقوى والصبر {قَالُواْ تالله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا} اعترافٌ بالخطيئة وإقرار بالذنب أي والله لقد فضَّلك الله علينا بالتقوى والصبر، والعلم والحلم {وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ} أي وحالُنا وشأننا أننا كنا مذنبين بصنيعنا الذي صنعنا بك، ولذلك أعزَّك الله وأذلنا، وأكرمك وأهاننا {قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليوم} أي قال لهم يوسف:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015