صفوه التفاسير (صفحة 602)

فالهمُّ من امرأة العزيز كان هم عزمٍ وتصميم، والهمُّ من يوسف كان مجرد حديث نفس {السواء} المنكر، والفجور، والمكروه {والفحشآء} ما تناهى قبحه والمراد به الزنى {قَدَّتْ} القدُّ: الشق والقطع وأكثر ما يستعمل في الطول، والقطُّ يستعمل في العرض {أَلْفَيَا} وجدا {كَيْدِكُنَّ} الكيد: المكر والحيلة {الخاطئين} المتعمدين للذنب قال الأصمعي: خطئ الرجل فهو خاطئ إذ تعمد الذنب، وأخطأ يخطئ إذا غلط ولم يتعمد {شَغَفَهَا حُبّاً} وصل حبه إلى سويداء قلبها قال الزجاج: الشغاف سويداء القلب {أَصْبُ} أملْ يقال: صبا إلى اللهو إذا مال إليه.

التفسِير: {وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} هذه هي المحنة الثالثة بعد محنة الجب والاسترقاق، والمراودةُ الطلبُ برفقٍ ولين كما يفعل المخادع بكلامه المعسول المعنى: طلبت امرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها منه أن يضاجعها، ودعته برفق ولين أن يواقعها، وتوسَّلت إليه بكل وسيلةٍ {وَغَلَّقَتِ الأبواب} أي غلّقت أبواب البيوت عليها وعلى يوسف وأحكمت إغلاقها قال القرطبي: كانت سبعة أبواب غلّقتها ثم دعته إلى نفسها {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} أي هلُمَّ وأسرع إلى الفراش فليس ثمة ما يُخشى قال في البحر: أمرته بأن يسرع إليها {قَالَ مَعَاذَ الله} أي عياذاً بالله من فعل السوء قال أبو السعود: وهذا إشارة إلى أنه منكر هائل يجب أن يعاذ بالله تعالى للخلاص منه، لما أراه الله من البرهان النيِّر على ما فيه من غاية القبح ونهاية السوء {إِنَّهُ ربي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} أي إن زوجك هو سيدي العزيز الذي أكرمني وأحسن تعهدي فكيف أسيء إليه بالخيانة في حَرَمه؟ {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} أي لا يظفر الظالمون بمطالبهم، ومنهم الخائنون المُجازون الإِحسانَ بالسوء، ثم أخبر تعالى ان امرأة العزيز حاولت إيقاعه في شراكها، وتوسَّلت إليه بكل وسائل الإِغراء، ولولا أنَّ الله جلَّ وعلا حفظه من كيدها لهلك فقال {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} أي همَّت بمخالطته عن عزمٍ وقصدٍ وتصميم، عزماً جازماً على الفاحشة لا يصرفها عنها صارف، وقصدت إجباره على مطاوعتها القوة، بعد أن استحكمت من تغليق الأبواب، ودعوته إلى الإِسراع، مما اضطره إلى الهرب إلى الباب {وَهَمَّ بِهَا} أي مالت نفسه إليها بمقتضى الطبيعة البشرية، وحدثته نفسُه بالنزول عند رغبتها حديث نفسٍ، دون عزمٍ وقصد، فبين الهمين فرق كبير قال الإِمام الفخر: الهمُّ خطورُ الشيء بالبال أو ميلُ الطبع، كالصائم في الصيف يرى الماء البارد فتحمله نفسُه على الميل إليه وطلب شربه، ولكنْ يمنعه دينُه عنه {لولا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} جوابه محذوفٌ أي لولا حفظ الله ورعايتُه ليوسف، وعصمتُه له لخالطها وأمضى ما حدثته نفسه به، ولكنَّ الله عصمه بالحفظ والتأييد فلم يحصل منه شيءٌ البتَّة قال في البحر: نسب بعضُهم ليوسف ما لا يجوز نسبتُه لآحاد الفُسَّاق، والذي أختاره أن «يوسف» عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015