صفوه التفاسير (صفحة 598)

الأولى ليوسف عليه السلام أي حين قالوا: والله ليوسف أخوه «بنيامين» أحبُّ منَّا عند أبينا، أرادوا أن زيادة محبته لهما أمر ثابتٌ لا شبهة فيه، وإنما قالوا {وَأَخُوهُ} وهم جميعاً إخوة لأن أمهما كانت واحدة {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي والحال نحن جماعة ذوو عدد، نقدر على النفع والضر، بخلاف الصغيرين {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} أي إنه في خطأٍ وخروجٍ عن الصواب بيّن واضح، لإِيثاره يوسف وأخاه علينا بالمحبة قال القرطبي: لم يريدوا ضلال الدين إذ لو أرادوه لكفروا، وإنما أرادوا أنه في خطأ بيِّن في إيثار اثنين على عشرة {اقتلوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه أَرْضاً} أي أُقتلوا يوسف أو ألقوه في أرض بعيدة مجهولة {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} أي فعند ذلك يخلصْ ويصفو لكم حبُّ أبيكم، فيُقْبل عليكم قال الرازي: المعنى إن يوسف شغله عنا وصرف وجهه إليه، فإذا فقده أقبل علينا بالمحبة والميل {وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ} أي وتتوبوا من بعد هذا الذنب وتصبحوا قوماً صالحين {قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غيابت الجب} أي قال لهم أخوهم «يهوذا» وهو أكبر ولد يعقوب: لا تقتلوا يوسف بل ألقوه في قعر الجب وغوره {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة} أي يأخذه بعض المارَّة من المسافرين {إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} أي إن كان لا بدَّ من الخلاص منه فاكتفوا بذلك، وكان رأيه فيه أهون شراً من رأي غيره {قَالُواْ ياأبانا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ} المعنى أيُّ شيء حدث لك حتى لا تأمنا على أخينا يوسف، ونحن جميعاً أبناؤك؟ {وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} أي ونحن نشفق عليه ونريد له الخير قال المفسرون: لما أحكموا العزمْ ذكروا هذا الكلام وأظهروا عند أبيهم أنهم في غاية المحبة ليوسف، وفي غاية الشفقة عليه، ليستنزلوه عن رأيه في تخوفه منهم وكأنهم قالوا: لِمَ تخافنا عليه ونحن نحبه ونريد الخي به! { {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} أي أرسله معنا غداً إلى البادية، يتسع في أكل ما لذَّ وطاب ويلهو ويلعب بالاستباق وغيره {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} أي ونحن نحفظه من كل سوء ومكروه، أكّدوا كلامهم بإنَّ واللام وهم كاذبون {قَالَ إِنِّي ليحزنني أَن تَذْهَبُواْ بِهِ} أي قال لهم يعقوب: إنه ليؤلمني فراقُه لقلة صبري عنه {وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذئب وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} أي وأخاف أن يفترسه الذئب في حال غفلتكم عنه، وكأنه لقنهم الحجة قال الزمخشري: إعتذر إليهم بشيئين: أحدهما: أن ذهابهم به ومفارقته إيّاه مما يحزنه لأنه كان لا يصبر عنه ساعة، والثاني: خوفه عليه من الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم ولعبهم {قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذئب وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ} اللام للقسم أي والله لئن أكله الذئب ونحن جماعة أقوياء أشداء إنا لمستحقون أن يُدعى علينا بالخسارة والدمار {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ} في الكلام محذوف أي فأرسله معهم فلما أخذوه وابتعدوا به عن أبيه {وأجمعوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابت الجب} أي عزموا واتفقوا على إِلقائه في غور الجب {وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أي أوحينا إلى يوسف لتخبرنَّ إخوتك بفعلهم هذا الذي فعلوه بك وهم لا يشعرون في ذلك الوقت أنك يوسف، قال الرازي: وفائدة هذا الوحي تأنيسُه، وتكسينُ نفسه، وإزالةُ الغمّ والوحشةِ عن قلبه، بأنه سيحصل له

طور بواسطة نورين ميديا © 2015