صفوه التفاسير (صفحة 531)

البحر: لما بيّن تعالى فضائل الأعراب المؤمنين، بيّن حال هؤلاء السابقين، ولكن شتان ما بين الثناءين فهناك قال {ألا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ} وهناك قال {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار} وهنا ختم {إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وهناك ختم {ذلك الفوز العظيم} {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ الأعراب مُنَافِقُونَ} أي وممن حولكم يا أهل المدينة منافقون من الأعراب منازلهم قريبة من منازلكم {وَمِنْ أَهْلِ المدينة} أي ومن أهل المدينة منافقون أيضاً {مَرَدُواْ عَلَى النفاق} أي لجوا في النفاق واستمروا عليه قال ابن عباس: مرنوا عليه وثبتوا منهم ابن سلول، والجلاس، وأبو عامر الراهب {لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} أي لا تعلمهم أنت يا محمد لمهارتهم في النفاق بحيث يخفى أمرهم على كثيرين، ولكن نحن نعلمهم ونخبرك عن أحوالهم {سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ} أي في الدنيا بالقتل والأسر، وعند الموت بعذاب القبر {ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ} أي ثم في الآخرة يردون إِلى عذاب النار، الذي أعده الله للكفار والفجار {وَآخَرُونَ اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ} أي وقوم آخرون أقروا بذنوبهم ولم يعتذروا عن تخلفهم بالمعاذير الكاذبة قال الرازي: هم قوم من المسلمين تخلفوا عن غزوة تبوك لا لنفاقهم بل لكسلهم، ثم ندموا على ما فعلوا وتابوا {خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} أي خلطوا جهادهم السابق وخروجهم مع الرسول لسائر الغزوات بالعمل السيء وهو تخلفهم عن غزوة تبوك هذه المرة {عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} أي لعل الله يتوب عليهم قال الطبري: وعسى من الله واجب ومعناه: سيتوب الله عليهم، ولكنه في كلام العرب بمعنى الترجي على ما وصفت {إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي ذو عفوٍ لمن تاب، عظيم الرحمة لمن أناب {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} أي خذ يا محمد من هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم صدقة تطهرهم بها من الذنوب والأوضار، وتنمي بتلك الصدقة حسناتهم حتى يرتفعوا بها إِلى مراتب المخلصين الأبرار {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاوتك سَكَنٌ لَّهُمْ} أي وادع لهم بالمغفرة فإِن دعاءك واستغفارك طمأنينة لهم قال ابن عباس: {سَكَنٌ لَّهُمْ} رحمة لهم {والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي سميع لقولهم عليهم بنياتهم {أَلَمْ يعلموا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} الاستفهام للتقرير أي ألم يعلم أولئك التائبون أن الله تعالى هو الذي يقبل توبة من تاب من عباده، {وَيَأْخُذُ الصدقات} أي يتقبلها ممن أخلص النية {وَأَنَّ الله هُوَ التواب الرحيم} أي وأن الله وحده المستأثر بقبول التوبة والرحمة، لقوله

{غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب} [غافر: 3] {وَقُلِ اعملوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والمؤمنون} صيغة أمر متضمنة للوعيد أي اعملوا ما شئتم من الأعمال فأعمالكم لا تخفى على الله، وستعرض يوم الحساب على الرسول والمؤمنين {وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الغيب والشهادة} أي وستردُّون إِلى الله الذي لا تخفى عليه خافية {فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي فيجازيكم على أعمالكم إِن خيراً فخير، وإِن شراً فشر {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله} أي وآخرون من المتخلفين مؤخرون إِلى أن يظهر أمر الله فيهم قال ابن عباس: هم كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، لم يسارعوا إِلى التوبة والاعتذار، وكانوا من أصحاب بدر، فنهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015