صفوه التفاسير (صفحة 526)

يجاهدوا، فقد جاهد من هو خير منهم وأخلص نية واعتقاداً {وأولئك لَهُمُ الخيرات} أي لهم منافع الدارين: النصر والغنيمة في الدنيا، والجنة والكرامة في الآخرة {وأولئك هُمُ المفلحون} أي الفائزون بالمطلوب {أَعَدَّ الله لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} أي أعد الله لهم على إِيمانهم وجهادهم بساتين تجري من تحت قصورها الأنهار {خَالِدِينَ فِيهَا} أي لايثين في الجنة أبداً {ذلك الفوز العظيم} أي ذلك هو الظفر العظيم الذي لا فوز راءه {وَجَآءَ المعذرون مِنَ الأعراب} أي جاء المعتذرون من الأعراب الذين انتحلوا الأعذار تخلفوا عن الجهاد {لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} أي في ترك الجهاد، وهذا بيان لأحوال المنافقين من الأعراب بعد بيان أحوال المنافقين من أهل المدينة، قال البيضاوي: هم «أسد» و «غطفان» استأذنوا في التخلف معتذرين بالجهد وكثرة العيال {وَقَعَدَ الذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ} أي وقعد عن الجهاد الذين كذبوا الله ورسوله في دعوى الإِيمان، وهم قوم لم يجاهدوا ولم يعتذروا عن تخلفهم {سَيُصِيبُ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وعيد لهم شديد أي سينال هؤلاء المتخلفين الكاذبين في دعوى الإِيمان عذاب أليم بالقتل والأسر في الدنيا، والنار في الآخرة {لَّيْسَ عَلَى الضعفآء وَلاَ على المرضى} أي ليس على الشيوخ المسنين، ولا على المرضى العاجزين الذين لا يستطيعون الجهاد لعجزهم أو مرضهم {وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ} أي الفقراء الذين لا يجدون نفقة للجهاد {حَرَجٌ} أي إِثم في القعود {إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ} أي أخلصوا الإِيمان والعمل الصالح، فلم يرجفوا بالناس ولم يثبطوهم، ولم يثيروا الفتن، فليس على هؤلاء حرج إِذا تركوا الغزو لأنهم أصحاب أعذار {مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ} أي ليس عليهم جناح ولا إِلى معاتبتهم سبيل قال في التسهيل: وصفهم بالمحسنين لأنهم نصحوا لله ورسوله، ورفع عنهم العقوبة والتعنيف واللوم، وهذا من بليغ الكلام لأن معناه: لا سبيل لعاتب عليهم، وهو جارٍ مجرى المثل {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي عظيم المغفرة والرحمة حيث وسع على أهل الأعذار {وَلاَ عَلَى الذين إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} نزلت في البكائين الذين أرادوا الغزو مع رسول الله ولم يجد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما يحملهم عليه قال البيضاوي: هم البكاءون سبعة من الأنصار أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقالوا: قد نذرنا الخروج فاحملنا نغزو معك، فقال عليه السلام: لا أجد ما أحملكم عليه فتولوا وهم يبكون {قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} أي ليس عندي ما أحملكم عليه من الدواب {تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع حَزَناً} أي انصرفوا وأعينهم تسيل دمعاً من شدة الحزن {أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ} أي لأنهم لم يجدوا ما ينفقونه لغزوهم، ولم يكن عند رسول الله ما يحملهم عليه {إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ} أي إِنما الإِثم والحرج على الذين يستأذنونك في التخلف وهم قادرون على الجهاد وعلى الإِنفاق لغناهم {رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف} أي رضوا بأن يكونوا مع النساء والمرضى والعجزة {وَطَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أي ختم عليها فهم لذلك لا يهتدون.

البَلاَغَة: 1 - {يَعْلَمُ ... عَلاَّمُ الغيوب} بين يعلم وعلام جناس الاشتقاق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015