صفوه التفاسير (صفحة 485)

وجوههم وظهورهم بمقامع من حديد {وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق} أي ويقولون لهم: ذوقوا يا معشر الفجرة عذاب النار المحرق، وهذا بشارة لهم بعذاب الآخرة وقيل: كانت معهم أسواط من نار يضربونهم بها فتشتعل جراحاتهم ناراً {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} أي ذلك العذاب بسبب ما كسبتم من الكفر والآثام {وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} أي وأنه تعالى عادل ليس بذي ظلم لأحد من العباد حتى يعذبه بغير ذنب، وصيغة {ظَلاَّمٍ} ليست للمبالغة وإِنما هي للنسب أي ليس منسوباً إِلى الظلم فقد انتفى أصل الظلم عنه تعالى فتدبره {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ} أي دأب هؤلاء الكفرة في الإِجرام يعني عملهم وطريقهم الذي دأبوا فيه كعمل وطريق آل فرعون ومن تقدمهم من الأمم كقوم نوح وعاد وثمود في العناد والتكذيب والكفر والإِجرام {كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله} أي جحدوا ما جاءهم به الرسل من عند الله {فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ} أي أهلكهم بكفرهم وتكذيبهم {إِنَّ الله قَوِيٌّ شَدِيدُ العقاب} أي قوي البطش شديد العذاب، لا يغلبه غالب ولا يفوته هارب {ذلك بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا على قَوْمٍ} أي ذلك الذي حل بهم ن العذاب بسبب أن الله عادل في حكمه لا يغير نعمة أنعمها على أحدٍ إِلا بسبب ذنبٍ ارتكبه، وأنه لا يبدل النعمة بالنقمة {حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} أي حتى يبدلوا نعمة الله بالكفر والعصيان، كتبديل كفار قريش نعمة الله من الخصب والسعة والأمن والعافية، بالكفر والصد عن سبيل الله وقتال المؤمنين قال السدي: نعمة الله على قريش محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فكفروا به وكذبوه، فنقله الله إِلى المدينة وحل بالمشركين العقاب {وَأَنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي وأنه سبحانه سميع لما يقولون عليم بما يفعلون {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ} كرره لزيادة التشنيع والتوبيخ على إِجرامهم أي شأن هؤلاء وحالهم كشأن وحال المكذبين السابقين حيث غيروا حالهم فغيّر الله نعمته عليهم {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} أي أهلكناهم بسبب ذنوبهم بعضهم بالرجفة، وبعضهم بالخسف وبعضهم الحجارة، وبعضهم بالغرق ولهذا قال {وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ} أي أغرقنا فرعون وقومه معه {وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ} أي وكل من الفرق المكذبة كانوا ظالمين لأنفسهم بالكفر والمعاصي حيث عرَّضوها للعذاب {إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله} أي شر من يدب على وجه الأرض في علم الله وحكمه {الذين كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} أي الذين أصروا على الكفر ورسخوا فيه فهم لا يتوقع منهم إِيمان لذلك قال ابن عباس: نزلت في بني قريظة من اليهود، منهم كعب بن الأشرف وأصحابه عاهدهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ألا يحاربوه فنقضوا العهد {الذين عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ} أي الذين عاهدتهم يا محمد على ألا يعينوا المشركين {ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ} أي يستمرون على النقض مرة بعد مرة {وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ} أي لا يتقون الله في نقض العهد قال المفسرون: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد عاهد يهود بني قرظة ألا يحاربوه ولا يعاونوا عليه المشركين، فنقضوا العهد وأعانوا عليه كفار مكة بالسلاح يوم بدر، ثم قالوا: نسينا وأخطأنا فعاهدهم مرة أخرى فنقضوا العهد ومالئوا الكفار يوم الخندق {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب} أي فإِن تظفر بهم في الحرب {فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ} أي فاقتلهم ونكل بهم تنكيلاً شديداً يشرد غيرهم من الكفرة المجرمين {

طور بواسطة نورين ميديا © 2015