وهزمهم، وأذلهم وأعزكم {لِيُحِقَّ الحق وَيُبْطِلَ الباطل} متعلق بمحذوف تقديره: ليحق الحقَّ ويبطل الباطل فعل ما فعل والمراد إظهار الإِسلام وإِبطال الكفر {وَلَوْ كَرِهَ المجرمون} أي ولو كره المشركون ذلك أي إِظهار الإِسلام وإِبطال الشرك {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} أي اذكروا حين تطلبون من ربكم الغوث بالنصر على المشركين، روي أن سول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نظر إلى المشركين وهم ألف، وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة وبضعة عشر، فاستقبل القبلة ومدَّ يديه يدعو: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إِن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض، فما زال كذلك حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأخذه أبو بكر فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبيَّ الله كفاكَ مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فنزلت هذه الآية {فاستجاب لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الملائكة} أي استجاب الله الدعاء بأني معينكم بألف من الملائكة {مُرْدِفِينَ} أي متتابعين يتبع بعضهم بعضاً قال المفسرون: ورد أن جبريل نزل بخمسائة وقاتل بها في يسار الجيش، ولم يثبت أن الملائكة قاتلت في وقعة إِلا في بدر، وأما في غيرها فكانت تنزل الملائكة لتكثير عدد المسلمين ولا تقاتل {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى} أي وما جعل إمدادكم بالملائكة إِلا بشارة لكم بالنصر {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} أي ولتسكن بهذا الإِمداد نفوسكم {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} أي وما النصر في الحقيقة إِلا من عند الله العلي الكبير فثقوا بنصره ولا تتكلوا على قوتكم وعدّتكم {إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أي غالب لا يُغلب يفعل ما تقضي به الحكمة {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس أَمَنَةً مِّنْهُ} أي يلقي عليكم النوم أمناً من عند سبحانه وتعالى، وهذه معجزة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حيث غشي الجميعَ النومُ في وقت الخوف قال علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه:
«ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إِلا نائم إلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يصلي تحت شجرة ويبكي حتى أصبح» قال ابن كثير: وكأن ذلك كان للمؤمنين عند شدة البأس، لتكون قلوبهم آمنة مطمئنة بنصر الله {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السمآء مَآءً} تعديد لنعمة أخرى، وذلك أنهم عدموا الماء في غزوة بدر فأنزل الله عليهم المطر حتى سالت الأودية، وكان منهم من أصابته جنابة فتطهر بماء المطر {لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} أي من الأحداث والجنايات {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشيطان} أي يدفع عنكم وسوسته وتخويفه إِياكم من العطش، قال البيضاوي: روي أنهم نزلوا في كثيبٍ أعفر، تسوخ فيه الأقدام على غير ماء، وناموا فاحتلم أكثرهم فوسوس إِليهم الشيطان وقال: كيف تُنصرون وقد غُلبتم على الماء، وأنتم تصلون محدثين مجنبين وتزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله؟ فأنزل الله المطر حتى ثبتت عليه الأقدام وزالت الوسوسة {وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ} أي يقوّيها بالثقة بنصر الله {وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدام} أي يُثبت بالمطر الأقدام حتى لا تسوخ في الرمل قال الطبري: ثبّت بالمطر أقدامهم لأنهم كانوا التقوا مع عدوهم على رملةٍ ميثاء فلبّدها المطر حتى صارت الأقدام عليها ثابتة لا تسوخ فيها {إِذْ يُوحِي