صفوه التفاسير (صفحة 404)

128

المنَاسَبَة: لما ذكر سبحانه أن البشر فريقان: مهتد وضال، وذكر أن منهم من شرح الله صدره وأنار قلبه فآمن واهتدى، ومنهم من اتبع الهوى وسار بقيادة الشيطان فضلً وغوى، ذكر هنا أنه سيحشر الخلائق جميعاً يوم القيامة للحساب، لينال كلٌّ جزاءه العادل على ما قدّم في هذه الحياة.

اللغَة: {مَثْوَاكُمْ} مأواكم يقال ثوى بالمكان إِذا أقام فيه {يَقُصُّونَ} يحكون يقال قصًّ الخبر يقصُّه قصاً أي حكاه {ذَرَأَ} خلق {الحرث} الزرع {لِيُرْدُوهُمْ} الإِرداء: الإِهلاك يقال أرادهُ يرديه أي أهلكه {حِجْرٌ} الحِجر: الحرام وأصله المنع يقال حجره أي منعه والحِجْر: العقل سمي به لأنه يمنع عن القبائح قال تعالى {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ} [الفجر: 5] {سَفَهاً} حماقة وجهالة والسَّفه: خفة العقل.

التفِسير: {وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً} أي اذكر يوم يجمع الله الثقلَين: الإِنس والجن جميعاً للحساب قائلاً {يَامَعْشَرَ الجن قَدِ استكثرتم مِّنَ الإنس} أي استكثرتم من إِضلالهم وإِغوائهم قال ابن عباس: أضللتم منهم كثيراً، وهذا بطريق التوبيخ والتقريع {وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإنس رَبَّنَا استمتع بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} أي وقال الذين أطاعوهم من الإِنس ربنا انتفع بعضنا ببعض قال البيضاوي: انتفع الإِنس والجن بأن دلوهم على الشهوات وما يتوصل به إِليها، وانتفع الجنُّ بالإِنس بأن أطاعوهم وحصّلوا مرادهم {وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا الذي أَجَّلْتَ لَنَا} أي وصلنا إِلى الموت والقبر ووافينا الحساب، وهذا منهم اعتذارٌ واعترافٌ بما كان منهم من طاعة الشياطين واتباع الهوى وتحسر على حالهم {قَالَ النار مَثْوَاكُمْ} أي قال تعالى رداً عليهم النارً موضع مقامكم وهي منزلكم {خَالِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ الله} أي ماكثين في النار في حال خلودٍ دائم إِلا الزمان الذي شاء الله أن لا يخلدوا فيها قال الطبري: هي المدة التي بين حشرهم إلى دخولهم النار وقال الزمخشري: يخُلدون في عذاب النار الأبد كلَّه إلا ما شاء الله أي إلا الأوقات التي يُنقلون فيها من عذاب النار إلى عذاب الزمهرير فقد رُوي أنهم يدخلون وادياً من الزمهرير فيتعَاوَوْن ويطلبون الرد إِلى الجحيم {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ} أي حكيم في أفعاله عليم بأعمال عباده {وكذلك نُوَلِّي بَعْضَ الظالمين بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} أي كما متعنا الإِنس والجن بعضهم ببعض نسلّط بعض الظالمين على بعض بسبب كسبهم للمعاصي والذنوب قال القرطبي: وهذا تهديد للظالم إِن لم يمتنع من ظلمه سلّط الله عليه ظالماً آخر قال ابن عباس: إِذا رَضِيَ اللَّهُ عَنْ قوم ولّى أمرهم خيارهم، وإِذا سخط الله على قوم ولى أمرهم شرارهم وعن مالك بن دينار قال: قرأتُ في بعض كتب الحكمة إِن الله تعالى يقول: «إِني أنا الله مالك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015