وهكذا نجد الأمم الغربية - وهم أبناء دين واحد - يتفنّن بعضهم في إِهلاك بعض، فمن مخترج للقنبلة الذرية إلى مخترع للقنبلة الهيدروجينية وهي مواد مدمّرة لا يمكن أن يتصور العقل ما تحدثه من تلفٍ بالغ وهلاك شامل {إِنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدنيا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 85] ثم قال تعالى {وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ الله بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} تهديد لهم أي سيلقون جزاء عملهم القبيح {يَا أَهْلَ الكتاب قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكتاب} الخطاب لليهود والنصارى أي ما معشر أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالدين الحق يبيّن لكم الكثير مما كنتم تكتمونه في كتابكم من الإِيمان به، ومن آية الرجم، ومن قصة أصحاب السبت الذين مسخوا قردة وغير ذلك مما كنتم تخفونه {وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} أي يتركه ولا يبيّنه وإِنما يبيّن لكم ما فيه حجة على نبوته وشهادة على صدقه، ولو ذكر كل شيء لفضحكم قال في التسهيل: وفي الآية دلي على صحة نبوته بيّن ما أخفوه في كتبهم وهو أميٌّ لم يقرأ كتبهم {قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} أي جاءكم نور هو القرآن لأنه مزيل لظلمات الشرك والشك وهو كتاب مبين ظاهر الإِعجاز {يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ سُبُلَ السلام} أي يهدي بالقرآن من اتبع رضا الله طرق النجاة والسلامة ومناهج الاستقامة {وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِهِ} أي يخرجهم من ظلمات الكفر إِلى نور الإِيمان بتوفيقه وإرادته {وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} هو دين الإِسلام، ثم ذكر تعالى إِفراط النصارى حق عيسى حيث اعتقدوا ألوهيته فقال {لَّقَدْ كَفَرَ الذين قآلوا إِنَّ الله هُوَ المسيح ابن مَرْيَمَ} أي جعلوه إلهاً وهم فرقةٌ من النصارى زعموا أن الله حلَّ في عيسى ولهذا نجد في كتبهم «وجاء الرب يسوع» وأمثاله، ويسوع عندهم هو عيسى {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ المسيح ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأرض جَمِيعاً} أي قل لهم يا محمد لقد كذبتم فمن الذي يستطيع أن يدفع عذاب الله لو أراد أن يهلك المسيح وأمه وأهل الأرض جميعاً؟ فعيسى عبد مقهور قابلٌ للفناء كسائر المخلوقات ومن كان كذلك فهو بمعزل عن الألوهية ولو كان إِلهاً لقدر على تخليص نفسه من الموت {وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} أي من الخلق والعجائب {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} أي هو قادر على أن يخلق ما يريد ولذلك خلق عيسى من غير أب {والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي لا يعجزه شيء، ثم حكى عن اليهود والنصارى افتراءهم فقال {وَقَالَتِ اليهود والنصارى نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ} أي نحن من الله بمنزلة الأبناء من الآباء ونحن أحباؤه لأننا على دينه قال ابن كثير: أي نحن منتسبون إِلى أنبيائه وهم بنوه وله بهم عناية وهو يحبنا {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم} أي لو كنتم كما تدَّهون