صفوه التفاسير (صفحة 314)

ماتوا على الكفر {إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً} أي لن يهديهم إِلا إِلى الطريق الموصلة إِلى جهنم جزاء لهم على ما أسلفوه من الكفر والظلم مخلّدين فيها أبداً {وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيراً} أي تخليدهم في جهنم لا يصعب عليه ولا يستعظمه {ياأيها الناس قَدْ جَآءَكُمُ الرسول بالحق مِن رَّبِّكُمْ} أي يا أيها الناس قد جاءكم محمد بالدين الحق والشريعة السمحة من عند ربكم {فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ} أي صدّقوا ما جاءكم من عند ربكم يكن الإِيمان خيراً لكم {وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض} أي وإِن تستمروا على الكفر فإِن الله غني عنكم لا يضره كفركم إِذ لو له ما في الكون ملكاً وخلقاً وعبيداً {وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً} أي عليماً بأحوال العباد حكيماً فيما دبره لهم، ولما ردّ تعالى على شبه اليهود فيما سبق أخذ في الردّ على ضلالات النصارى في إِفراطهم في تعظيم المسيح حيث عبدوه من دون الله فقال {ياأهل الكتاب لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} أي يا معشر النصارى لا تتجاوزوا الحدَّ في أمر الدين بافراطكم في شأن المسيح وادعاء ألوهيته {وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق} أي لا تصفوا الله بما لا يليق من الحلول والاتحاد الصاحبة والولد {إِنَّمَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ الله} أي ما عيسى إلا رسولٌ من رسل الله وليس ابن الله كما زعمتم {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ} أي وقد خلق بكلمته تعالى «كنْ» من غير واسطة أب ولا نطفة {وَرُوحٌ مِّنْهُ} أي ذو روح مبتدأةٍ من الله وهو أثر نفخة جبريل في صدر مريم حيث حملت بتلك النفخة بعيسى، وإِنما أضيف إِلى الله تشريفاً وتكريماً {فَآمِنُواْ بالله وَرُسُلِهِ} أي آمنوا بوحدانيته وصدقوا رسله أجمعين {وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ} أي لا تقولوا الآلهة ثلاثة: الله، والمسيح، ومريم، أو الله ثلاثة: الأب والإِبن وروح القدس، فنهاهم تعالى عن التثليث وأمرهم بالتوحيد لأن الإِله منزّه عن التركيب وعن نسبة المركب إِليه {انتهوا خَيْراً لَّكُمْ} أي انتهوا عن التثليث يكن ذلك خيراً لكم {إِنَّمَا الله إله وَاحِدٌ} أي منفرد في ألوهيته ليس كما تزعمون أنه ثالث ثلاثة {سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} أي تنزّه الله عن أن يكون له ولد {لَّهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} خلقاً وملكاً وعبيداً وهو تعالى لا يماثله شيء حتى يتخذه ولداً {وكفى بالله وَكِيلاً} تنبيه على غناه عن الولد أي كفى الله أن يقوم بتدبير مخلوقاته وحفظها فلا حاجة له إِلى ولدٍ معين لأنه مالك كل شيء، ثم ردّ تعالى على النصارى مزاعمهم الباطلة فقال {لَّن يَسْتَنكِفَ المسيح أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ} أي لن يأنف ويتكبر المسيح الذي زعمتم أنه إِلهٌ عن أن يكون عبداً لله {وَلاَ الملائكة المقربون} أي لا يستنكفون أيضاً أن يكون عبيداً لله {وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً} أي ومن يأنف ويتكبر عن عبادة الله سبحانه فسيبعثهم يوم القيامة للحساب والجزاء {فَأَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ} أي يوفيهم ثواب أعمالهم {وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ} أي بإِعطائهم ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر {وَأَمَّا الذين استنكفوا واستكبروا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} أي وأما الذين أنفوا وتعظّموا عن عبادته فسيعذبهم عذاباً موجعاً شديداً {وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} أي ليس لهم من يتولاهم أو ينصرهم من عذاب الله {يَا أَيُّهَا الناس قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ} أي أتاكم حجة من الله وهو محمد رسول الله المؤيد بالمعجزات الباهرة {وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً} أي أنزلنا عليكم القرآن ذلك النور الوضاء {فَأَمَّا الذين آمَنُواْ بالله واعتصموا بِهِ} أي صدقوا بوحدانية الله وتمسكوا بكتابه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015