صفوه التفاسير (صفحة 305)

يضلله الله فلن تجد له طريقاً إلى السعادة والهدى، ثم حذّر تعالى المؤمنين من موالاة أعداء الدين فقال {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين} أي لا تتركوا موالاة المؤمنين وتوالوا الكفرة المجرمين بالمصاحبة والمصادقة {أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً} أي أتريدون أن تجعلوا لله حجة بالغة عليكم أنكم منافقون؟ قال ابن عباس: كل سلطان في القرآن حجةٌ، ثم أخبر تعالى عن مآل المنافقين فقال {إِنَّ المنافقين فِي الدرك الأسفل مِنَ النار} أي في الطبقة التي في قعر جهنم وهي سبع طبقات قال ابن عباس: أي في أسفل النار، وذلك لأنهم جمعوا مع الكفر الاستهزاء بالإِسلام وأهله، والنارُ دركات كما أن الجنة درجات {وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} أي لن تجد لهؤلاء المنافقين ناصراً ينصرهم من عذاب الله {إِلاَّ الذين تَابُواْ} وهذا استثناء أي تابوا عن النفاق {وَأَصْلَحُواْ} أي أعمالهم ونياتهم {واعتصموا بالله} أي تمسكوا بكتاب الله ودينه {وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ} أي لم يبتغوا بعملهم إِلا وجه الله {فأولئك مَعَ المؤمنين} أي في زمرتهم يوم القيامة {وَسَوْفَ يُؤْتِ الله المؤمنين أَجْراً عَظِيماً} أي يعطيهم الأجر الكبير في الآخرة وهو الجنة {مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} أي أيُّ منفعةٍ له سبحانه في عذابكم؟ أيتشفى به من الغيظ، أم يدرك به الثأر، أم يدفع به الضر ويستجلب النفع وهو الغنى عنكم؟ {وَكَانَ الله شَاكِراً عَلِيماً} أي شاكراً لطاعة العباد مع غناه عنهم يعطي على العمل القليل الثواب الجزيل.

البَلاَغَة: تضمنت الآيات أنواعاً من الفصاحة والبديع نوجزها فيما يلي:

1 - المبالغة في الصيغة في {قَوَّامِينَ بالقسط} أي مبالغين في العدل.

2 - الطباق بين {غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً} وبين {آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ} .

3 - الجناس الناقص في {آمَنُواْ آمِنُواْ} لتغير الشكل.

4 - جناس الاشتقاق في {يُخَادِعُونَ ... خَادِعُهُمْ} وفي {جَامِعُ ... جَمِيعاً} وفي {شَكَرْتُمْ ... شَاكِراً} .

5 - الأسلوب التهكمي في {بَشِّرِ المنافقين} حيث استعمل لفظ البشارة مكان الإِنذار تهكماً.

6 - الاستعارة في {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} استعار اسم الخداع للمجازاة على العمل، واللهُ تعالى منزَّه عن الخداع.

7 - الاستفهام الإِنكاري في {أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العزة} والغرضُ منه التقريع والتوبيخ.

الفوَائِد: الأولى: قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ آمِنُواْ} ليس تكراراً وإِنما معناه اثبتوا على الإِيمان ودوموا عليه كقول المؤمن {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6] أي ثبتنا على الصراط المستقيم.

الثانية: سمى تعالى ظفر المؤمنين فتحاً عظيماً ونسبه إِليه {فَتْحٌ مِّنَ الله} وظفر الكافرين نصيباً {وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ} ولم ينسبه إِليه وذلك لتعظيم شأن المسلمين، وتخسيس حظ الكافرين.

الثالثة: قال المفسرون: النار سبع دركات أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعيرة، ثم سقرن ثم الجحيم، ثم الهاوية وقد تسمى بعض الطبقات باسم بعض لأن لفظ النار يجمعها، كذا في البحر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015