صفوه التفاسير (صفحة 186)

والغنم فمنها المركب والمطعم والزينة {والحرث} أي الزرع والغراس لأن فيه تحصيل أقواتهم {ذلك مَتَاعُ الحياة الدنيا} أي إِنما هذه الشهوات زهرة الحياة الدنيا وزينتُها الفانية الزائلة {والله عِنْدَهُ حُسْنُ المآب} أي حسن المرجع والثواب {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذلكم} أي قل يا محمد أأخبركم بخيرٍ ممّا زُيِّن للناس من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها الزائل؟ والاستفهام للتقرير {لِلَّذِينَ اتقوا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} أي للمتقين يوم القيامة جناتٌ فسيحات تجري من خلال جوانبها وأرجائها الأنهار {خَالِدِينَ فِيهَا} أي ماكثين فيها أبد الآباد {وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} أي منزهةٌ عن الدنس والخبث، الحسي والمعنوي، لا يتغوَّطن ولا يتبولن ولا يحضن ولا ينفسن، ولا يعتريهن نساء الدنيا {وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله} أي ولهم مع ذلك النعيم رضوانٌ من الله وأيُّ رضوان، وقد جاء في الحديث «أُحلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً» {والله بَصِيرٌ بالعباد} أي عليم بأحوال العباد يعطي كلاً بحسب ما يستحقه من العطاء. ثم بيّن تعالى صفات هؤلاء المتقين الذين أكرمهم بالخلود في دار النعيم فقال {الذين يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا} أي آمنا بك وبكتبك ورسلك {فاغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النار} أي اغفر لنا بفضلك ورحمتك ذنوبنا ونجنا من عذاب النار {الصابرين والصادقين والقانتين} أي الصابرين على البأساء والضراء، والصادقين في إِيمانهم وعند اللقاء، والمطيعين لله في الشدة والرخاء {والمنفقين} أي الذين يبذلون أموالهم في وجوه الخير {والمستغفرين بالأسحار} أي وقت السحر قُبيل طلوع الفجر.

البَلاَغَة: {مِّنَ الله} فيه إِيجاز بالحذف أي من عذاب الله {شَيْئاً} التنكير للتقليل أي لن تنفعهم أيّ نفع ولو قليلاً {وأولئك هُمْ وَقُودُ النار} الجملة إِسمية للدلالة على ثبوت الأمر وتحققه {كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ الله} فيه التفات من الغيبة إِلى الحاضر والأصل فأخذناهم {لَكُمْ آيَةٌ} الأصل «آيةٌ لكم» وقدّم للإِعتناء بالمقدم والتشويق إِلى المؤخر، والتنكير في آية التفخيم والتهويل أي آية عظيمة ومثله التنكير في {رِضْوَانَ الله} [آل عمران: 162] وقوله تعالى {يَرَوْنَهُمْ} و {رَأْيَ العين} بينهما جناس الاشتقاق {حُبُّ الشهوات} يراد به المشتهيات قال الزمخشري: عبَّر بالشهوات مبالغة كأنها نفس الشهوات، وتنبيهاً على خستها لأن الشهوة مسترذلة عند الحكماء {بِخَيْرٍ مِّن ذلكم لِلَّذِينَ} إِبهام الخير لتفخيم شأنه والتشويق لمعرفته {اتقوا عِندَ رَبِّهِمْ} قال أبو السعود: التعرض لعنوان الربوبية مع الإِضافة إلى ضمير المتقين لإِظهار مزيد اللطف بهم {والقناطير المقنطرة} بينهما من المحسنات البديعية ما يسمى بالجناس الناقص.

فَائِدَة: الأولى: من هو المزيّن للشهوات؟ قيل: هو الشيطان ويدل عليه قوله تعالى {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ} [النمل: 24] وتزيين الشيطان: وسوسته وتحسينه الميل إِليها وقيل: المزيّن هو الله ويدل عليه {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف: 7] وتزيين الله للابتلاء ليظهر عبد الشهوة من عبد المولى وهو ظاهر قول عمر: «اللهم لا صبر لنا ما زينتَ لنا إِلا بك»

الثانية: تخصيص الأسحار بالاستغفار لأن الدعاء فيها أقرب إِلى الإجابة، لأن النفس أصفى،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015