صفوه التفاسير (صفحة 1563)

ذات البناء الرفيع، الذين كانوا يسكنون بالأحقاف بين عُمان وحضرموت {التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد} أي تلك القبيلة الي لم يخلق الله مثلهم في قوتهم، وشدتهم، وضخامة أجسامهم} والمقصود من ذلك تخويف أهل مكة بما صنع تعالى بعاد، وكيف أهلكهم وكانوا أطول أعماراً، وأشدَّ قوة من كفار مكة!؟ قال ابن كثير: وهؤلاء «عاد الأولى» وهم الذين بعث الله فيهم رسوله «هوداً» عليه السلام فكذبوه وخالفوه، وكانوا عتاة متمردين جبارين، خارجين عن طاعة الله مكذبين لرسله، فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمَّرهم، وجعلهم أحاديث وعِبراً {وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد} أي وكذلك ثمود الذين قطعوا صخر الجبال، ونحتوا بيوتاً بوادي القُرى

{وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً آمِنِينَ} [الحجر: 82] وكانت مساكنهم في الحجر بين الحجاز وتبوك قال المفسرون: أو ما نحت الجبال والصخور والرخام قبيلة ثمود وكانوا لقوتهم يخرجون الصخور، وينقبون الجبال فيجعلونها بيوتاً لأنفسهم، وقد بنوا ألفاً وسبعمائة مدينة كلها بالحجارة بوادي القرى {وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد} أي وكذلك فرعون الطاغية الجبار، ذي الجنود والجموع والجيوش التي تشد ملكه قال أبو السعود: وصف بذلك لكثرة جنوده وخيامهم التي يضربونها في منازلهم أو لتعذيبه بالأوتاد {الذين طَغَوْاْ فِي البلاد} أي أولئك المتجبرين «عاداً، وثمود، وفرعون» الذين تمردوا وعتوا عن أمر الله، وجاوزوا الحدَّ في الظلم والطغيان {فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الفساد} أي فأكثروا في البلاد الظلم والجور والقتل: وسائر المعاصي والآثام {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} أي فأنزل عليهم ربك ألواناً شديدة من العذاب بسبب إِجرامهم وطغيانهم قال المفسرون: استعمل لفظ الصبّ لاقتضائه السرعة في النزول على المضروب، كما قال القائل «صببنا عليهم ظالمين سياطنا» والمراد أنه تعالى أنزل على كل طائفة نوعاً من العذاب، فأُهلكت عادٌ بالريح، وثمود بالصيحة، وفرعون وجنوده بالغرق كما قال تعالى {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت: 40] {إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد} أي إِن ربك يا محمد ليرقب عمل الناس، ويحصيه عليهم، ويجازيهم به قال في التسهيل: المرصاد المكان الذي يرتقب فيه الرصد، والمراد أنه تعالى رقيب على كل إِنسان، وأنه لا يفوته أحد من الجبابرة والكفار، وفي ذلك تهديدٌ لكفار قريش. . ولما ذكر تعالى ما حلَّ بالطغاة المتجبرين، ذكر هنا طبيعة الإِنسان الكافر، الذي يبطر عند الرخاء، ويقنط عند الضراء فقال {فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ} أي إِذا اختبره وامتحنه ربه بالنعمة {فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} أي فأكرمه بالغنى واليسار، وجعله منعماً في الدنيا بالبنين والجاه والسلطان {فَيَقُولُ ربي أَكْرَمَنِ} أي فيقول ربي أحسن إليَّ بما أعطاني من النعم التي أستحقها، ولم يعلم أن هذا ابتلاء له أيشرك أم يكفر؟ {وَأَمَّآ إِذَا مَا ابتلاه فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} أي وأما إِذا اختبره وامتحنه ربه بالفقر وتضييق الرزق {فَيَقُولُ ربي أَهَانَنِ} أي فيقول غافلاً عن الحكمة: إِن ربي أهانني بتضييقه الرزق عليَّ قال القرطبي: وهذه صفة الكافر الذي لا يؤمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015