عليها الحور العين، فإِذا أراد وليٌّ الله أن يجلس على تلك السرر العالية تواضعت له {وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ} أي وأقداح موضوعة على حافات العيون، معدة لشرابهم لا تحتاج إلى من يملأها {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ} أي ووسائد مخدَّات قد صُفَّ بعضها إلى جانب بعض ليستندوا عليها {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} أي وفيها طنافس فاخرة لها خمل رقيق مبسوطة في أنحاء الجنة. . ثم ذكر تعالى الدلائل والبراهين الدالة على قدرته ووحدانيته فقال {أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ} أي أفلا ينظر هؤلاء الناس نظر تكفر واعتبار، إِلى الإِبل الجمال كيف خلقها الله خلقاً عجيباً بديعاً يدل على قدرة خالقها؟ {قال في التسهيل: في الآية حضٌ على النظر في خلقتها، لما فيها من العجائب في قوتها، وانقيادها مع ذلك لكل ضعيف، وصبرها على العطش، وكثرة المنافع التي فيها، من الركوب والحمل عليها، وأكل لحومها، وشرب ألبانها وغير ذلك {وَإِلَى السمآء كَيْفَ رُفِعَتْ} أي وإلى السماء البديعة المحكمة، كيف رفع الله بناءها، وأعلى سمكها بلا عمد ولا دعائم؟ {وإلى الجبال كَيْفَ نُصِبَتْ} أي إلى الجبال الشاهقة كيف نصبت على الأرض نصباً ثابتاً راسخاً لا يتزلزل؟} {وَإِلَى الأرض كَيْفَ سُطِحَتْ} أي وإلى الأرض التي يعيشون عليها، كيف بسطت ومُهدت حتى صارت شاسعة واسعة يستقرون عليها، ويزرعون فيها أنواع المزروعات؟! قال الألوسي: ولا ينافي هذا، القول بأنها كرة أو قريبة من الكرة لمكان عظمها والحكمةُ في تخصيص هذه الأشياء بالذكر، أن القرآن نزل على العرب وكانوا يسافرون كثيراً في الأودية والبراري منفردين عن الناس، والإِنسان إِذا ابتعد عن المدينة أقبل على التفكر، فأول ما يقع بصره على البعير الذي يركبه فيرى نظراً عجيباً، وإن نظر فوق لم ير غير السماء، وإِن نظر يميناً وشمالاً لم ير غير الجبال، وإِن نظر تحت لم ير غير الأرض، فلذلك ذكر هذه الأشياء قال ابن كثير: نبه تعالى البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكبٌ عليه، والسماء التي فوق رأسه، والجبل الذي تجاهه، والأرض التي تحته، على قدرة خالق ذلك وصانعه، وأنه الرب العظيم، الخالق المالك المتصرف، الذي لا يستحق العبادة سواه.
. ولما ذكر تعالى دلائل التوحيد ولم يعتبر بذلك الكفار، أمر نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بوعظهم وتذكيرهم فقال {فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ} أي فعظهم يا محمد وخوفهم، ولا يهمنَّك أنهم لا ينظرون ولا