صفوه التفاسير (صفحة 1532)

كالأوتاد لتستقر وتسكن بأهلها {مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} أي فعل ذلك كله، فأنبع العيون، وأجرى الأنهار، وأنبت الزرع والأشجار، كل ذلك منفعةً للعباد وتحقيقاً لمصالحهم ومصالح أنعامهم ومواشيهم، قال الرازي: أراد بمراعاها ما يأكله الناسُ والأنعام، بدليل قوله {مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} وانظر كيف دلَّ بقوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا} على جميع ما أخرجه من الأرض قوتاً ومتاعاً للأنام والأنعام من العشب، والشجر، والحب، والثمر، والعصف، والحطب، واللباس والدواء، حتى الملح والنار، فالملح متولد من الماء، والنارُ من الأشجار. . ولما ذكر تعالى خلق السموات والأرض، وما أبدع فيهما من عجائب الخلق والتكوين، ليقيم الدليل على إِمكان الحشر عقلاً، أخبر بعد ذلك عن وقوعه فعلاً فقال {فَإِذَا جَآءَتِ الطآمة الكبرى} أي فإِذا جاءت القيامة وهي الداهية العظمى، التي تعمُّ بأهوالها كل شيء، وتعلو على سائر الدواهي قال ابن عباس: هي القيامة سميت بذلك لأنها تطم على كل أمرٍ هائل مفظع {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنسان مَا سعى} أي في ذلك اليوم يتذكر الإِنسان ما علمه من خير أو شر، ويراه مدوَّناً في صحيفة أعماله {وَبُرِّزَتِ الجحيم لِمَن يرى} أي أظهرت جهنم للناظرين فرآها الناسُ عياناً، باديةً لكل ذي بصر. . وبعد أن وصف حال القيامة وأهولها، ذكر انقسام الناس إِلى فريقين: أشقياء وسعداء فقال {فَأَمَّا مَن طغى} أي جاوز الحدَّ في الكفر والعصيان {وَآثَرَ الحياة الدنيا} أي فضَّل الحياة الفانية على الآخرة الباقية، وانهمك في شهوات الحياة المحرَّمة، ولم يستعد لآخرته بالعمل الصالح {فَإِنَّ الجحيم هِيَ المأوى} أي فإِنَّ جهنم المتأججة هي منزله ومأواه، لا منزل له سواها {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} أي وأمَّا من خاف عظمة ربه وجلاله، وخاف مقامه بين يديْ ربه يوم الحساب، لعلمه ويقينه بالمبدأ والمعاد {وَنَهَى النفس عَنِ الهوى} أي وزجر نفسه عن المعاصي والمحارم، وكفَّها عن الشهوات التي تؤدي بها إِلى المعاطب {فَإِنَّ الجنة هِيَ المأوى} أي فإِن منزله ومصيره هي الجنة دار النعيم، ليس له منزل غيرها.

. ثم ذكر تعالى موقف المكذبين بالقيامة، المستهزئين بأخبار الساعة فقال {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا} أي يسألك يا محمد هؤلاء المشركون عن القيامة متى وقوعها وقيامُها؟ قال المفسرون: كان المشركون يسمعون أنباء القيامة، ووصفها بالأوصاف الهائلة مثل «طامة، وصاخة، وقارعة» فيقولون على سبيل الاستهزاء: متى يوجدها الله ويقيمها، ومتى تحدث وتقع؟ فنزلت الآية {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} أي ليس علمها إِليك حتى تذكرها لهم، لأنها من الغيوب التي استأثر الله بعلمها، فلماذا يسألونك عنها ويُلحّون في السؤال؟ {إلى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ} أي مردُّها ومراجعها إِلى الله عَزَّ وَجَلَّ، فهو الذي يعلم وقتها على التعيين، لا يعلمه أحد سواه {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا} أي ما واجبك يا محمد إِلا إِنذار من يخاف القيامة، لا الإِعلام بوقتها، وخصَّ الإِنذار بمن يخشى، لأنه هو الذي ينتفع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015