صفوه التفاسير (صفحة 1526)

تعالى هذه الأدلة التسع على قدرته تعالى، كبرهانٍ واضح على إمكان البعث والنشرو، فإن من قدر على هذه الأشياء قادرٌ على البعث والإِحياء ولهذا قال بعده {إِنَّ يَوْمَ الفصل كَانَ مِيقَاتاً} أي إن يوم الحساب والجزاء، ويوم الفصل بين الخلائق، له وقت محدودٌ معلوم في علمه تعالى وقضائه، لا يتقدم ولا يتأخر {ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ} [هود: 103104] قال القرطبي: سمي يوم الفصل لأن الله تعالى يفصل فيه بين خلقه، وقد جعله وقتاً وميعاداً للأولين والآخرين {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} أي يكون ذلك يوم أن ينفخ في الصور نفخة القيام من القبور، فتحضرون جماعات جماعات، وزمراً زمراً للحساب والجزاء، ثم ذكر تعالى أوصاف ذلك اليوم الرهيب فقال {وَفُتِحَتِ السمآء فَكَانَتْ أَبْوَاباً} أي تشققت السماء من كل جانب، حتى كان فيها صدوعٌ وفتوحٌ كالأبواب في الجدران، من هول ذلك اليوم كقوله تعالى {إِذَا السمآء انشقت} [الإِنشقاق: 1] وعبَّر بالماضي {وَفُتِحَتِ} لتحقق الوقوع {وَسُيِّرَتِ الجبال فَكَانَتْ سَرَاباً} أي ونسفت الجبال وقلعت من أماكنها، حتى أصبح يخيَّل إِلى الناظر أنها شيء وليست بشيء، كالسراب بظنه الرائي ماءً وليس بماء قال القرطبي: صارت الجبال بعد نسفها هباءً منبثاً لعين الناظر، كالسراب الذي يظنه من يراه ماءً وهو في الحقيقة هباء {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} أي إِن جهنم تنتظر وتترقب نزلاءها الكفار، كما يترصد الإِنسان ويترقب عدوه ليأخذه على حين غرة قال المفسرون: المرصاد المكان الذي يرصد فيه الراصد العدو، وجهنم تترصَّد أعداء الله لتعذبهم بسعيرها، وهي مترقبة ومتطلعة لمن يمرُّ عليها من الكفار الفجار لتلتقطهم إِليها {لِّلطَّاغِينَ مَآباً} أي هي مرجع ومأوى ومنزل للطغاة المجرمين {لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً} أي ماكثين في النار دهوراً متتابعةً لا نهاية لها قال القرطبي: أي ماكثين في النار ما دامت الأحقاب أي الدهور وهي لا تنقطع، كلما مضى حقب جاء حقب، لأن أحقاب الآخرة لا نهاية لها قال الربيع وقتادة: هذه الأحقاب لا انقضاء لها ولا انقطاع {لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً} أي لا يذوقون في جهنم بدورةً تخفف عنهم حرَّ النار، ولا شراباً يسكِّنُ عطشهم فيها {إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً} أي إِلاّ ماءً حاراً بالغاً الغاية في الحرارة، وغساقاً أي صديداً يسيل من جلود أهل النار {جَزَآءً وِفَاقاً} أي يعاقبهم الله بذلك جزاءً موافقاً لأعمالهم السيئة {إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً} أي لم يكونوا يتوقعون الحساب والجزاء، ولا يؤمنون بلقاء الله، فجازاهم الله بذلك الجزاء العادل {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً} أي وكانوا يكذبون بآيات الله الدالة على البعث وبالآيات القرآنية تكذيباً شديداً {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً} أي وكل ما فعلوه من جرائم وآثام ضبطناه في كتاب لنجازيهم عليه {فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً} أي فذوقوا يا معشر الكفار فلن نزيدكم على استغاثتكم إِلاَّ عذاباً فوق عذابكم قال المفسرون: ليس في القرآن على أهل النار آية هي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015