صفوه التفاسير (صفحة 1501)

وأُقسم بالقمر {والليل إِذْ أَدْبَرَ} أي وأُقسم بالليل حين ولَّى بظلمته ذاهباً {والصبح إِذَآ أَسْفَرَ} أي وبالصبح إِذا تبلَّج وأضاء، ونشر ضياءه على الأرجاء {إِنَّهَا لإِحْدَى الكبر} أي إِن جهنم لإِحدى الدواهي الكبيرة، والبلايا الخطيرة، فكيف يستهزئون بها ويكذبون؟ قال أبو حيان: أقسم تعالى بهذه الأشياء تشريفاً لها، وتنبيهاً على ما يظهر فيها من عجائب الله وقدرته، وقوام الوجود بإِيجادها، أقسم على أن جهنم إِحدى الدواهي العظيمة الي تلا نظضير لها وفي الآية إِيماء إلى أن الشمس والقمر مخلوقان لله، وأنهما في حركاتهمها وإدبارهما وإٍسفارهما، ونشوء الليل والنهار عنهما، مسخران لأمره تعالى، ساجدان بين يدي قدرته وقهره، فكيف يحسن بالبشر أن يعبدوهما ويكفروا بالإِله الذي خلقهما؟ ثم قال تعالى عن جهنم {نَذِيراً لِّلْبَشَرِ} أي هي إِنذار للخلق ليتقوا ربهم {لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} أي لمن أراد من العباد أن يتقرب الى ربه بفعل الخيرات أو يتأخر بفعل الموبقات قال في البحر: والمراد بالتقدم والتأخر: السبق الى الخير والتخلف عنه كقوله تعالى:

{فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] قال ابن عباس: من شاء اتبع طاعة الله، ومن شاء تأخر عنها بمعصيته {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} أي كل نفس محبوسة بعملها، مرهونةٌ عند الله بكسبها، ولا تفك حتى تؤدي ما عليها من الحقوق والعقوبات {إِلاَّ أَصْحَابَ اليمين} أي إِلا فريق السعداء المؤمنين، فإِنههم فكوا رقابهم وخلَّصوها من السجن والعذاب، بالإِيمان وطاعة الرحمن {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ المجرمين} أي هم في جناتٍ وبساتين لا يدرك وصفها، يسأل بعضهم بعضاً عن حال المجرمين الذين في النار، والسؤال لزيادة تبكيت أولئك المجرمين وتوبيخهم، وإِدخال الألم والحسرة على نفوسهم، يقولون لهم {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} ؟ ما الذي أدخلكم جهنم، وجعلكم تذوقون سعيرها؟ قال في البحر: وسؤالهم سؤال توبيخ لهم وتحقير، وإِلاّ فهم عالمون ما الذي أدخلهم النار {قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المصلين} أي قال المجرمون مجيبين للسائلين: لم نكن من المصلين في الدنيا لرب العالمين {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المسكين} أي ولم نكن نتصدق ونحسن إِلى الفقراء والمساكين قال ابن كثير: مرادهم في الآيتين: ما عبدنا ربنا، ولا أحسنا إِلى خلقه من جنسنا {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخآئضين} أي وكنا نتحدث بالباطل مع أهل الغواية والضلالة، ونقع معهم فيما لا ينبغي من الأباطيل قال في التسهيل: والخوض هو كثرة الكلام بما لا ينبغي من الباطل وشبهه {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدين} أي نكذب بيوم القيامة، وبالجزاء والمعاد، وإِنما أخر التكذيب بيوم الدين تعظيماً له، لأنه أعظم جرائمهم وأفحشها {حتى أَتَانَا اليقين} أي حتى جاءنا الموت ونحن في تلك المنكرات والضلالات، قال تعالى معقباً على اعترافهم بتلك الجرائم {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشافعين} أي ليس لهم شافع ينقذهم من عذاب الله، ولو شفع لهم أهل الأرض ما قبلت شفاعتهم فيهم قال ابن كثير: من كان متصفاً بمثل هذه الصفات، فإِنه لا تنفعه بيوم القيامة شفاعة شافع فيه، لأن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015