الجن} أي كان خلائق من الإِنس يستجيرون برجال من الجن {فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} أي فزاد الإِنس الجن باستعاذتهم بهم إِثماً وطغياناً، وعتواً وضلالاً قال أبو السعود: كان الرجل إِذا أمسى في واد قفر وخالف على نفسه قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه يريد الجن وكبيرهم، فإذا سمعوا بذلك استكبروا وقالوا: سدنا الإِنس والجن، فزاد الرجال الجن تكبراً وعتواً، فذلك قوله {فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} {وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ الله أَحَداً} أي وأن كفار الإِنس ظنوا كما ظننتم يا معشر الجن، أن الله لن يبعثُ أحداً بعد الموت، فقد أنكروا البعث كما أنكرتموهن أنتم {وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} يقول الجن: وأنا طلبنا بلوغ السماء لاستماع كلام أهلها، فوجدانها قد ملئت بالملائكة الكثيرين الذين يحرسونها، وبالشهب المحرقة التي تقذف من يحاول الاقتراب منها {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} أي كنا قبل بعثة محمد نطرق السماء لنستمع إلى أخبارها ونلقيها إلى الكهان {فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً} أي فمن يحاول الآن استراق السمع، يجد شهاباً ينتظره بالمرصاد يحرقه ويهلكه {وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض} أي لا نعلم نحن معشر الجن ما الله فاعل بسكان الأرض، ولا نعلم هل امتلاء السماء بالحرس والشهب لعذاب يريد الله أن ينزله بأهل الأرض؟ {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} أي أم لخير يريده الله بهم، بأن يبعث فيهم رسولاً مرشداً يرشدهم إلى الحق؟ وهذا من أدب الجن حيث نسبوا الخير إلى الله، ولم ينسبوا الشر إليه فقالوا {أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} قال ابن كثير: وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك، وهذا هو الذي حملهم على تطلب السبب، فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فرأوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقرأ بأصحابه في الصلاة، فعرفوا أن هذا هو الذي حفظت من أجله السماء، فدنوا منه حرصاً على سماع القرآن ثم أسلموا {وَأَنَّا مِنَّا الصالحون وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} أي منا قوم صالحون أبرار، عاملون بما يرضي الله، ومنا قوم ليسوا صلحاء قال في التسهيل: وأرادوا بقولهم {دُونَ ذَلِكَ} أي الذي ليس صلاحهم كاملاً، أو الذين ليس لهم صلاح {كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً} أي كنا فرقاً شتى، ومذاهب مختلفة، فمنا الصالح ومنا الطالح، وفينا التقي والشقي {وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ الله فِي الأرض وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً} أي علمنا وأيقنا أن الله قادر علينا، وأننا في قبضته وسلطانه أينما كنا، لن نعجزه بهرب، ولن نتفلت من عقابه إذا أراد بنا سوءاً قال القرطبي: أي علمنا بالاستدلال والتفكر في آيات الله، أنا في قبضته وسلطانه لن نفوته بهرب ولا غيره.
. ثم عادوا إلى شكر الله تعالى على نعمة الإِيمان واهتدائهم بسماع آيات القرآن فقالوا {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهدى آمَنَّا بِهِ} أي لما سمعنا القرآن العظيم آمنا به وبمن أنزله، وصدقنا محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في