والأشقياء في ذلك اليوم فقال {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} أي فأما من أُعطي كتاب أعماله بيمينه لأنه من السعداء {فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقرؤا كِتَابيَهْ} أي فيقول ابتهاجاً وسروراً: خذوا اقرءوا ك تابي، والهاء في {كِتَابيَهْ} هاء السكت وكذلك في {حِسَابِيَهْ} و {مَالِيَهْ} و {سُلْطَانِيَهْ} قال الرازي: ويدل قوله {هَآؤُمُ اقرؤا كِتَابيَهْ} على أنه بلغ الغاية في السرور، لأنه لما أُعطي كتابه بيمينه، علم أنه من الناجين ومن الفائزين بالنعيم، فأحب أن يظهر ذلك لغيره حتى يفرحوا بما ناله {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ} أي إِني أيقنت وتحققت بأني سألقى حسابي وجزائي يوم القيامة، فأعددت له العدة من الإِيمان، والعمل الصالح قال الحسن: إِن المؤمن أحسن الظنَّ بربه فأحسن العمل، وإِنَّ المنافق أساء الظن بربه فأساء العمل وقال الضحاك: كل ظنٍ في القرآن من المؤمن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك. . قال تعالى مبيناً جزاءه {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} أي فهو في عيشة هنيئة مرضية، يرضى بها صاحبها، لما ورد في الصحيح «أنهم يعيشون فلا يموتون أبداً، ويصحون فلا يمرضون أبداً، وينعمون فلا يرون بؤساً أبداً» {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} أي في جنةٍ رفيعة القدر، وقصور عالية شاهقة {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} أي ثمارها قريبة، يتناولها القائم، والقاعد، والمضطجع قال في التسهيل: القطوف جمع قطف وهو ما يجتنى من الثمار ويقطف كالنعقود، روي أن العبد يأخذها بفمه من شجرها وهو قائم أو قاعد أو مضطجع {كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً} أي يقال لهم تفضلاً وإِنعاماً: كلوا واشربوا أكلاً وشرباً هنيئاً، بعيداً عن كل أذى، سالماً من كل مكروه {بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي الأيام الخالية} أي بسبب ما قدمتم من الأعمال الصالحة في الأيام الماضية يعني أيام الدنيا. . ولما ذكر حال السعداء أعقبه بذكر حال الأشقياء فقال {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} أي وأما من مأعطي كتابه بشماله وهذه علامة الشقاوة والخسران {فَيَقُولُ ياليتني لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} أي فيقول اذا رأى قبائح أعماله: يا ليتني لم أعط كتابي قال المفسرون: وذلك لما يحصل له من الخجل والافتضاح فيتمنى عندئذٍ أنه لم يعط كتاب أعماله، ويندم أشد الندم {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} أي ولم أعرف عظم حسابي وشدته، والاستفهام للتعظيم والتهويل {ياليتها كَانَتِ القاضية} أي يا ليت الموتة الأولى التي متُّها في الدنيا، كانت القاطعة لحياتي، فلم أبعث بعدها ولم أُعذب قال قتادة: تمنى الموت ولم يكن شيء عنده أكره من الموت، لأنه رأى تلك الحالة أشنع وأمرَّ ممَّا ذاقه من الموت {مَآ أغنى عَنِّي مَالِيَهْ} أي ما نفعني مالي الذي جمعته ولا دفع عني من عذاب الله شيئاً {هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} أي زال عني ملكي وسلطاني، ونسبي وجاهي، فلا معين لي ولا مجير، ولا صديق ولا نصير {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} أي يقول تعالى لزبانية جهنم: خذوا هذا المجرم الأثيم فشدوه بالأغلال قال القرطبي: فيبتدره مائة ألف ملك، ثم تجمع يده الى عنقه، فذلك قوله تعالى: {فَغُلُّوهُ} {ثُمَّ الجحيم صَلُّوهُ} أي ثم أدخلوه النار العظيمة المتأججة، ليصلى حرَّها {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} أي ثم أدخلوه في سلسلةٍ حديدية طولها سبعون ذراعاً قال ابن عباس: بذراع الملك، تدخل السلسلة من دبره، وتخرج من حلقه، ثم يجمع بين ناصيته