صفوه التفاسير (صفحة 1439)

العباد، الخبير الذي لا تخفى عليه خافية {إِن تَتُوبَآ إِلَى الله} الخطاب لحفصة وعائشة، خاطبهما بطريق الالتفات ليكون أبلغ من معاتبتهما وحملهما على التوبة مما بدر منهما من الإِيذاء لسيد الأنبياء، وجوابه محذوف تقديره أي إِن تبتما كان خيراً لكما من التعاون على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالإِيذاء {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} أي فقد زاغت ومالت قلوبكما عما يجب عليكما من الإِخلاص لرسول الله، بحب ما يحبه، وكراهة ما يكرهه {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} أي وإِن تتعاونا على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بما يسوءه، من الوقيعة بينه وبين سائر نسائه {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ} أي فإنَّ الله تعالى هو وليُّه وناصره، فلا يضره ذلك التظاهر منكما {وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} أي وجبريل كذلك وليه وناصره، والصالحون من المؤمنين قال ابن عباس: أراد بصالح المؤمنين أبا بكر وعمر فقد كانا عوناً له عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ عليهما قال في التسهيل: معنى الآية: إِن تعاونتما عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بما يسوءه من إِفراط الغيرة، وإِفشاء سره ونحو ذلك، فإِنَّ له من ينصره ويتولاه، وقد ورد في الصحيح أنه لما وقع ذلك جاء عمر إِلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال يا رسول الله: ما يشقُّ عليك من شأن النساء؟ فإن كنت طلقتهنَّ فإنَّ الله معك وملائكته وجبريل، وأبو بكر وعمر معك فنزلت الآية موافقة لقول عمر {وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} أي والملائكة الأبرار بعد حضرة الله، وجبريل، وصالح المؤمنين أعوانٌ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على من عاداه، فماذا يفيد تظاهر أمرأتين على من هؤلاء أعوانه وأنصارهُ؟! أفرد {جِبْرِيلُ} بالذكر تعظيماً له، وإِظهاراً لمكانته عند الله تعالى فيكون قد ذُكر مرتين: مرةً بالإِفراد، ومرةً في العموم، ووسَّط {صَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} بين جبريل والملائكة تشريفاً لهم، واعتناءً بهم، وإِشادةً بفضل الصلاح، وختم الآية بذكر {الْمَلاَئِكَةُ} أعظم المخلوقات وجعلهم ظهراء للنبي عليه السلام ليكون أفخم بالنبي صلوات الله عليه، وعظم مكانته، والانتصار له، إِذ هم بمثابة جيشٍ جرارس، يملأ القفار، نصرةً للنبي المختار، فمن ذا الذي يستطيع أن يناوىء الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعد ذلك؟ ثم خوَّف تعالى نساء النبي بقوله {عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ} قال المفسرون: {عسى} من الله واجبٌ أي حقٌّ واجب على الله إِن طلقكنَّ رسوله {أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ} أي أن يعطيه عليه السلام بدلكُنَّ زوجاتٍ صالحاتٍ خيراً وأفضل منكنَّ قال القرطبي: هذا وعدٌ من الله تعالى لرسوله لو طلقهن في الدنيا أن يزوجه نساءً خيراً منهن، والله عاملٌ بأنه لا يطلقهن، ولكنْ أخبر عن قدرته، على أن رسوله لو طلقهن، لأبدله خيراً منهن، تخويفاً لهنَّ.

. ثم وصف تعالى هؤلاء الزوجات اللواتي سيبدله بهنَّ فقال {مُسْلِمَاتٍ} أي خاضعات مستسلماتٍ لأمر الله تعالى وأمر رسوله {مُّؤْمِنَاتٍ} أي مصدقاتٍ بالله وبرسوله {قَانِتَاتٍ} أي مطيعات لما يُؤمرن به، مواظباتٍ على الطاعة {تَائِبَاتٍ} أي تائباتٍ من الذنوب، ولا يصررن على معصية {عَابِدَاتٍ} أي متعدباتٍ لله تعالى يكثرن العبادة، كأنَّ العدباة امتزجت بقلوبهن حتى صارت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015